مناقشات عربية حول التنمية والهوية والامن
سمير الحباشنة
03-03-2024 02:27 PM
(1)
على مدى ثلاثة أيام وفي رحاب قاهرة المعز، انعقد منتدى تحت عنوان «السلام العادل من اجل التنمية" نظمته مؤسسة عبد العزيز البابطين الثقافية/ الكويت بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة في مصر.
بدايةً لا بد من الوقوف عند شخصية الرجل العصامي الشاعر والمثقف ورجل الأعمال عبد العزيز بابطين الذي لاقى وجه ربه رحمه الله نهاية العام الماضي، بعد حياة حافلة حمل بها راية الثقافة العربية ولغتنا الأم وسعيه الدؤوب في خدمتها وإعلاء مكانتها، وإبراز الجوانب الإيجابية في التراث العربي، والسعي نحو تقدم العرب وخروجهم من وهم التناحر والمناكفة والوقوف عند التفاصيل والخلافات الصغيرة، التي اعاقت التقدم والتنمية، والانفتاح على الآخر بروحيه انسانية وايجابية.
ان تلك المؤسسة هي إنموذج يجب ان يحتذى من المتمولين العرب، فالمال إن لم يكن له دور في خدمة حياتنا العربية بأوجهها المختلفة الخيرية والإجتماعية والثقافية، فإنه يبقى مجرد ارقام، بلا بعد انساني، ولا قيمة فعلية ولا فائدة ترتجى لعامة الناس وحاجتهم وسبل تقدمهم.
(2)
السلام والتنمية السياسية
قدم «السيد طوني بالديري» من بريطانيا، ورقةً تحت هذا عنوان عرج بها على الحرب الروسية الأوكرانية واعتبرها السبب الرئيس المؤثر سلباً على السلام العالمي والتنمية السياسية.
وقد توجهت للمحاضر بسؤال عن سبب عدم تطرقه للحرب الصهيونية!!، التي تشن على الشعب العربي الفلسطيني منذ عام 1948، وتداعياتها الدائمة بتهديد السلام العالمي، تلك الحرب التي كانت ذروتها حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني منذ أكثر من اربعة أشهر في غزة.
والتذكير كذلك بان واحد من اهم الأسباب التي حالت بين العرب والتنمية بشقيها المادي والسياسي، وبالذات الدول المحيطه «بإسرائيل» وهي مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق كذلك، ان هذه الدول وامام العدوان الصهيوني المستمر طوال ثمانية عقود، اضطرت لإن تبني اقتصادات حرب وليست اقتصادات تنمية. الأمر الذي حال بين هذه الدول وبين تنمية اقتصادية وحياة سياسية متقدمة.
وللإنصاف فإن المحاضر قد استدركه بعد ذلك وانحاز الى الحق الفلسطيني وطالب بوقف الحرب على غزة ودعى الى ضرورة الإسراع بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس بإعتبار ذلك السبيل الوحيد لانهاء الصراع وإحلال السلام.
(3)
كفاءة الإدارة الحكومية والتنمية
قدم الصديق والمفكر العربي الدكتور محمد الرُميحي رؤيا تشخيصية لواقع الإدارة الحكومية في الكويت، والتي بتقديري فإن تلك الرؤيا تنسحب في الكثير من أوجهها على الإدارة في أغلب الأقطار العربية. حيث قدم حلولاً موضوعيه من شأنها تخليص تلك الإدارة مما يعلق بها من احمال اجتماعية ومسلكية خاطئه واقتصادية وبروقراطوريه ضارة. وما يترتب عليها من تراجع في الإداء وتشتت في القرار وبطئ اتخاذه وعدم موضوعيته في كثير من الأحيان.
(4)
كما كان الدكتور معتز سلامه من مصر قد قدم ورقه حول المشاركة الشعبية وعلاقتها بالتنمية حيث استند الى نتيجة دراسة مسحية، شملت الأراضي الفلسطينية المحتله والأردن والبرازيل. بأن المشاركة الشعبية تتركز بالعاده بالمدن وتكون ضعيفة في الأرياف والبوادي.
وقد بينت للمحاضر ان الانتخابات البرلمانية والحكم المحلي في الأردن بإعتبارهما الشكل الأهم والأوسع للمشاركة الشعبية، هي اوسع بالأرياف والبوادي منها في المدن بنسبة مقارنة 70% الى 30%.
واعتقد ان سبب ذلك يعود الى ان مواطني الأرياف والبوادي هم الأقل حظاً من حيث الخدمات والتنمية وتوفر فرص العمل وبالتالي فإن سبب مشاركتهم الواسعه بالإنتخابات يعبر عن تلك الحاجات أملهم بممثليهم أن يشكلو قوة ضغط على الحكومات لإنصافهم. أما فيما يتعلق في مواطنين المدن فإن الخدمات والتنمية وفرص العمل هي بحالٍ أفضل ما يجعله الأقل اهتمام بالمشاركة الشعبية. فالمشاركة الشعبية مرتبطة بالمصالح قبل أي شيء أخر.
(5)
السلام والتنمية المؤسسية
قدمت الدكتورة نهلة محمود احمد من مصر ورقة مهمة حول بناء المؤسسات ودورها في ترسيخ التنمية. وكان من الضرورة بمكان أن أأكد على أن الأحمال الزائدة الكبيرة من اعداد الموظفين الذي ينؤ بهم القطاع العام وتعيينهم وفق أسس الدور وأقدمية التخرج والسن لا على أسس الكفاءة يذكرنا بمقولة الملك الأردني الحسين الراحل «ان الازدحام يعيق الحركة» أي ان وجود هذه الأعداد الضخمه من الموظفين يؤدي الى مزيد من الحلقات البروقراطية التي تعيق الإنجاز وتؤخره خصوصاً اذا ما قارنا ذلك في سرعة الانجاز ورشاقته في القطاع الخاص. الذي يقوم بتعيين العاملين وفق أسس الكفاءة والحاجه الفعلية. وما يؤكد ذلك الخلل تلك النسبة المرتفعه لعدد موظفين القطاع العام نسبةً للحجم الكلي للعماله الوطنية.
وعلى جانبٍ آخر بأن أقطارنا العربية بأغلبها طاردة للكفاءات ما يؤكد ذلك عشرات بل بمئات الآلاف من الشباب العربي ذي الكفاءة العلمية الرفيعه والمنخرطون في اقتصادات الدول الأجنبية. وهو أمر يحتاج الى معالجة جدية تسعى الى الحفاظ على تلك الكفاءات لأهمية دورها في التنمية المأهوله وبأشكالها المختلفه.
(6)
في ذات السياق قدمت الدكتورة منى المالكي من السعودية بحثاً حول دور المؤسسات غير الحكومية في التنمية، وقد استندت الى التجربة السعودية وذكرت بأن بلادها لا تعاني من تدخل المال الأجنبي. والذي يُوظف في الكثير من الأحيان لخدمة اجندة الدولة التي تقدم ذلك المال.
ان علينا نحن في الاردن ومصر وفلسطين ولبنان وتونس وربما وغيرها من الدول العربية، ان نضع ضوابط لتدخل المال الأجنبي في حياتنا العامه، ووضع أليات توجهه لخدمة أهداف وطنية بعيدة عن اجندات ربما تضر بأقطارنا بل وتلامس في كثير من الاوقات معاني مهمة في تراثنا وتقاليدنا العربية والإسلامية الأصيلة. بل وان كثير تلك الدراسات المموله أجنبية ومن تجربة شخصية لي في مواقع المسؤولية، كانت تسعى لتحويل الصراع من جهته الطبيعية الصهيونية واسرائيل الى صراع عربيٍ عربي.
(7)
السلام والتنمية الثقافية
قدم الصديق الدكتور زهير توفيق من الأردن ورقة على درجة عالية من الأهمية الأكاديمية حول التراث والتحديث. والسؤال الي يطرح نفسه هل من الضرورة ان يكون هناك تضاداً وتناقضاَ بين التراث من جهه والحداثة من جهه اخرى!؟ وهل ان الحضارات التي حققت الحداثه كانت قطعت علاقاتها بالماضي بكل ما يحوي حتى من مراحله وانجازاته المضيئة!؟..
والحقيقه ومن تجربة العرب فإنهم ولما كانوا صناع للحضارة والتنوير في العهديين الاموي والعباسي الأول، لم يكونو قد اعلنو طلاقاً عن الموروث والعقيدة، بل على العكس كانت صناعة الحداثة صنوان مع التمسك بالتراث، بل وان علماء الإسلام كانوا في تلك الفترة مبدعين ومجددين يسعون الى ان يكون موروثنا وديننا الحنيف داعماً ومسانداً لمسألة الحداثة والتحديث.
وان الأمر ذاته قد حصل في الأندلس عندما مثلت الأندلس العربية منصه الانطلاق الأولى للحضارة الغربية لاحقاً. وبالتالي فإن الصراع بين الحداثة والتراث هو امر وهمي ومفتعل، فالصين اليوم المتقدمة على ارضية شيوعية (معدلة) تستند ايضاً الى «كونفوشس» بإعتبار التراث عاملاً اضافياً إيجابياً يرسخ ويجذر التجربة الصينية ويربط ما بين التاريخ والموروث من جهه والحدثه ومتطلباتها من جهه أخرى.
واليوم نحن العرب الذين نأمل ان نبدأ مرحلة حداثه وتقدم فإنما نحتاج الى تراثنا الحقيقي الغني بالمراحل المضيئه والإنجازات الكبرى وعلى كل الأصعده، شريطة تخليصه بجرأه لا تحتمل التأجيل، من كل ما علق به من شعوذات وسلوكيات دخيله. وان العرب في الحقيقه يحتاجون الى عكس مقولة السائده » ان نعود الى الاسلام» بمقولة بديلة » ان نتقدم نحو الإسلام»، على اعتبار ان الاسلام واذا ما فُهم بأدوات معاصرة فإنه كفيلٌ بأن يكون مسانداً حقيقياً لتقدم العرب والمسلمين وإحداث ما هو مطلوب من حداثة على كل الصعد.
(8)
اشكالية مفهوم الدولة الوطنية
قدم الأكاديمي العروبي المرموق الصديق الاستاذ عبدالاله بلقزيز، ورقه مهمة حول الدولة والهوية، حيث عرف الدولة الوطنية كما هي بالفكر الأوروبي المعاصر، بأنها دولة القانون والمؤسسات والتعبير عن الاراده العامه للناس وهي دولة الحق والعداله والمساواة. مؤكداً ان تحديث لا يتم بلا حداثه. وهذا منطقٌ صحيح وتعريف يختصر حقيقة الفرق بين الدولة بالمفهوم المعاصر المتقدم وبين الدولة بالمفاهيم الاخرى التي لا تحاكي عوامل وشروط تمكين الدوله لعامة الناس واقول هنا ان الدولة الوطنية المعاصرة بطبعتها الأوروبية تلك، لم تمنع تلك الدول من ان تدخل فيما بينها بحروب طاحنه وضحايا بعشرات الملايين وسبب في ذلك كما ارى ان الدولة الوطنية الأوروبية، هي محصور في جغرافيه محدده لا تتفق وطموحات هذه الدولة او تلك مما جعلها تسعى الى التمدد على مصالح الاخر وعلى جغرافيته وسيادته. وهو ما دفع الدول الأوروبية وبعد حربين عالميتين الطاحنتين ان تجترح فكرة الاتحاد الأوروبي من أجل توحيد المصالح في اطار الاتحاد الأوروبي كبديل للطموحات الوطنية الضيقه ومحاولات الهيمنه من دولة على حساب الأخريات.
واعتقد اننا في الوطن العربي وبعد ان استقرت الدولة الوطنية العربية وبعد ان انتهت الى حد بعيد من تدخلات دولة عربية بشؤون اخرى فإن علينا ان نبني على ذلك اجتراح حالة لقاء وتنسيق عربي فعال، تبقي على مكانة الدولة الوطنية وسيادتها واحترام خياراتها وذلك في سياق يضع العرب في اطار امني ومصلحي واحد مفيد للجميع. فالدولة الوطنية العربية بوضعها الحالي وفي كثير من الأحيان دولة قلقة سواء كان ذلك على الصعيد الإقتصادي او الاجتماعي أوامنها الوطني.
وبعد/ كان مؤتمراً ناجحاً بكل المقاييس قدمَ الكثير من الحلول وملخصات لكثير مما تعاني منه حياتنا العربية كل الشكر لمؤسسة عبد العزيز البابطين ونتمنى المزيد من العطاء الفكري العربي لما يخدم العرب جميعاً في كل اقطارهم.
والله ومصلحة العرب من وراء القصد
أمين عام مجموعة السلام العربي
الرأي