ما كان من اعلام حي وما هو ميت اليوم
راكان المجالي
24-03-2011 01:48 PM
في ربيع العام 1959 عندما تم تكليف المرحوم هزاع المجالي بتشكيل الوزارة يومها اتصل ساعة تبليغه بالتكليف بوزارة الخارجية وطلب من قسم الاتصالات المختص بارسال البرقيات للسفارات ارسال برقية للسكرتير في سفارتنا بطهران حينها المرحوم وصفي التل نصها ما يلي: "يد في الكتاب ورجل في الركاب". وكانت هذه البرقية باكورة عمل الرئيس المكلف قبل ان يغادر الديوان الملكي لاجراء اتصالات تشكيل الوزارة التي انجز تأليفها في اليوم التالي..
وقبل مجيء حكومة هزاع هذه كانت حكومة سلفه المرحوم سمير الرفاعي الذي كان لديه ايضا وضوح تام ووعي كامل باهمية الاعلام شأنه شأن خلفه هزاع ، فسمير الرفاعي اختار عند تشكيله لحكومة في العام 1958 شخصية فكرية ثقافية بارزة ليكون رئيسا للتوجيه الوطني وعمليا يعني هذا المركز كل الاعلام الاردني يومها ممثلا في الاذاعة الاردنية ودائرة المطبوعات والنشر وقد اشغل هذا المنصب في عهد سمير شقيقه المرحوم الشاعر البارز عبدالمنعم الرفاعي وبالاضافة الى الكفاءة والموهبة لعبدالمنعم هنالك التقارب نفسيا وفكريا من الرئيس الشقيق الاكبر ، وفي نفس الحال كان وصفي ذلك السياسي والمفكر هو من اقرب الاشخاص نفسيا وفكريا ايضا للصديق هزاع. وكان الاعلام في تلك المرحلة هو التسمية المعتمدة للحرب الباردة وفي ظل الحرب الباردة العبرية العربية والحرب الباردة العالمية كان الاعلام هو السلاح الذي يستعمل يوميا وهو سلام ازدادت الحاجة اليه بعد سقوط النظام العالمي القديم الذي كان قائما على الحرب الباردة.
كان وجود عبدالمنعم الرفاعي على رأس الاذاعة الاردنية في ام الحيران عند ولادتها في مطلع اذار 1959 مرحلة تأسيسة اولى لايصال صوت الاردن للخراج وانتزع الاردن دورا على خريطة الاعلام العربي في ظل وهج الاعلام الناصري بكل ما يملك من اثارة ومن مواهب مصرية اعلامية مؤهلة ، وكان صوت الاردن مسموعا وكانت لغة عبدالمنعم الراقية تطرق الاسماع ، واذكر بشكل خاص الاغاني والاناشيد التي كتبها عبدالمنعم شخصيا للاذاعة انذاك واورد نموذجا عليها لعل القارئ يقارن بين مستوى الفن الرفيع آنذاك شعرا وغناء وبين مستوى الفن الهابط في الزمن الحالي والمثال الذي اورده هو لقصيدة كتبها عبدالمنعم ونشرها في جريدة فلسطين بتاريخ 24 ـ 2 ـ 1958 وقد كتب في اسفلها نداء الى الملحنين مناشدا من يجد لديه القدرة ان يقوم بتلحينها وفعلا تم تلحين هذه الاغنية التي تقول كلماتها:
ايها الساري الى اوج العلى ، عربيا هاشميا المجتلى فيه من مؤتة برق ، ومضه غرب وشرق ، والسنا هيمنا ، والمنى سحر وعبق.
رابض خلف روابي القسطل يرقب الجولة في المستقبل والجهاد المر يعلو وانتشى رحب وسهل والفدا غردا والمدى رهج وخفق .
جيشنا طيف العلى في كل عين لفظه المجد على ثغر الحسين تهتف الارض وتشدو كلما اقبل حشدوا الملا هللا وانجلى للفتح افق.
اما في عهد هزاع ووصفي فقد انتقلت الاذاعة من دور الدفاع الى ادارة هجوم ووحدة قتالية وتم توظيف الفن والتراث والدراما والبرامج الثقافية قبل البرامج السياسية في اطار تصور لبلورة الهوية الاردنية وكان رئيس الوزراء هزاع كما هو معروف يداوم كل مساء في الاذاعة ويسهم في الافكار والرؤى حيث اصبحت الاذاعة هي مركز الفكر والثقافة والسياسة في الاردن والتي استقطبت على مدار عقودها الاولى ابرز المواهب والكفاءات .
لقد داهمني هذا الخاطر امس وغيره من الخواطر وانا اتأمل الكلمات الصارمة المشحونة بالحزن والاسف لجلالة الملك عبدالله الثاني في نعيه الاعلام الاردني ودعوته الى عودة الروح لهذا الاعلام الذي دخل في غيبوبة طويلة في غرفة الانعاش منذ زمن طويل ولعل صرخة جلالته تلامس الاسماع للخروج من الغيبوبة ليكون لدينا اعلام مقنع ومؤثر وذكي خلاق يعيد دور الاردن الرائد على خريطة الاعلام العربي والعالمي.
الدستور