تم الإفصاح مؤخرا عن وجود توافق مبدئي بين بنك الاتحاد والبنك الأردني الكويتي لدراسة إمكانية الاندماج.
هذه العملية إن كتب لها النجاح ستفرز بنك أردني جديد بأصول تتجاوز 10 مليار دينار، وتسهيلات تقارب 6 مليار دينار، مما يضع البنك الجديد "حصيلة الاندماج" في المرتبة الثانية أردنيا بعد البنك العربي من حيث الحجم.
الانطباعات السائدة عن عمليات الاستحواذ والاندماج عادة ما تتسم بالسلبية، وهو ما طغى على التعليقات والآراء حول خطة اندماج البنكين الأردنيين حتى الآن.
بالدرجة الأولى دارت معظم المخاوف حول ما يمكن أن تتسبب به خطة الاندماج من استغناء عن خدمات موظفين من البنكين، إضافة إلى إضعاف المنافسة نتيجة انخفاض عدد البنوك المتنافسة وازدياد حجم البنوك القائمة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع هامش الفوائد والعمولات.
لا يمكن إنكار أن لهذه المخاوف ما يبررها. ذلك أن وجود أقسام متشابهة وفروع متقاربة جغرافيا لدى البنكين سيقود إلى نشوء فائض في الموظفين بعد الاندماج.
كما أن الحجم الكبير للبنك المتوقع من الاندماج، والمقاومة التقليدية التي تواجهها عمليات الاندماج بهدف منع الاحتكار، يبرر التخوفات المتعلقة بإضعاف معدلات المنافسة في القطاع المصرفي الأردني.
ولكن هذه التخوفات تبقى انطباعية تحتاج إلى معطيات موضوعية ونظرة أعمق قبل القفز إلى الاستنتاجات.
وقبل البدء بأي تحليل، لا بد من معرفة أن البنك المركزي يشترط على البنوك المندمجة عدم الاستغناء عن خدمات الموظفين قبل مرور عامين على عملية الاندماج، وأن لا يتم ذلك إلا من خلال عروض تلقى قبول الموظفين خلال ذات الفترة.
كما أن هناك أمثلة في السوق الأردني على بنوك قائمة بحجم قريب من حجم البنك المتوقع من الاندماج، وبعدد موظفين يفوق مجموع موظفي البنكين المندمجين.
وهنا نتحدث تحديدا عن بنك الإسكان الذي يبلغ عدد موظفيه 2875 موظفا، بينما يبلغ عدد موظفي البنكين الساعيين للاندماج 2767 موظفا.
أي أن عملية الاندماج يمكن أن تؤدي إلى خروج موظفين ودخول جدد، مع إمكانية عدم حصول تغيير على عدد الوظائف الكلي، أو ربما زيادتها خلال السنوات اللاحقة للاندماج.
ويزيد من احتمالية عدم تأثر العدد الإجمالي للموظفين سلبا عاملان.
الأول أن البنك المتوقع من الاندماج سيحتاج إلى رفع نسب كفاية رأس المال لتتواءم مع حجمه الجديد، والذي يمثل مخاطرة نظامية أكبر تتطلب المزيد من رأس المال أو مستويات مخاطر أقل، مما سيشجع البنك على الذهاب باتجاه قطاع الأفراد الأقل مخاطرة من الشركات، والأكثر حاجة للتوظيف وإنشاء الفروع.
أما العامل الثاني فهو التجربة الناجحة لبنك الاتحاد في قطاع الأفراد وودائع التوفير، مما يعزز احتمالية استمرار البنك الجديد بالتركيز على قطاع الأفراد الأكثر حاجة للتوسع بالتوظيف.
ومن المهم أيضا معرفة أن المكسب الأكبر الذي تحققه البنوك من عمليات الاندماج ليس تخفيض نفقات الموظفين، إنما تحقيق أهداف استراتيجية، مثل التوسع الخارجي والتوسع في قطاعات جديدة، بشكل مختصر دون تكبد الجهد والكلفة والمخاطرة لتحقيقها بشكل منفرد.
أخيرا، لا بد من التطرق لمسألة المنافسة والاحتكار، والتأكيد على أن المنافسة الصحية لا تعتمد فقط على عدد البنوك في السوق، إنما أيضا على تقارب أحجامها. فالبنوك الصغيرة تعجز عادة عن منافسة الكبيرة، مما يمكن أن يمنح الأخيرة قوة احتكارية في السوق إذا لم تزدد أعداد البنوك القريبة منها بالحجم.
من هذا المنطلق، يتوقع أن يسهم الاندماج المحتمل بين الاتحاد والكويتي في تعزيز المنافسة مع البنوك الكبيرة القائمة، وبما سيساهم في رفع معدلات المنافسة وتخفيض معدلات الاحتكار في السوق وليس العكس.
بالمناسبة، شكل العدد القليل للبنوك الكبيرة في الأردن والتفاوت الكبير بينها وبين البنوك الأخرى في الحجم تحديا أمام البنك المركزي والاقتصاد الأردني ككل، نتيجة مساهمة ذلك في رفع فائدة سندات الحكومة والفوائد السوقية بشكل عام.
كما أن البنك المركزي يرى في الاندماجات المتكافئة بين البنوك المختلفة في ميزتها النسبية فرصة لبناء محافظ ائتمانية متنوعة، وتخفيض المخاطر، وبناء قاعدة رأس مال أكبر في مواجهة التقلبات المستقبلية.