الجسر البرّيّ بين الفرْيَة والوهم
أ.د عبدالباسط الزيود
03-03-2024 10:55 AM
كل خبر يُذاع أو يُنْشر عُرْضَة للتصديق أو للتكذيب ولا يمكن الوصول إلى تلك النتيجة بلا إعمال العقل والمنطق ووجود النّيّة السليمة، ومن هذا المنطلق سأقارب موضوع "الجسر البرّيّ "الذي رُفِعَ شعاراً لكثير من الفعاليات والمسيرات التي جابت بعض المدن والساحات الأردنية صباح مساء، وصدحت بها حناجر بعض النواب والسياسيين في المعارضة والنشطاء على مدى الأيام الماضية!.
طُرِحَ هذا الموضوع في بادئ الأمر في إعلام العدو عبر موقع " والا" العبري وصحيفة " Jons" العبرية ، والسؤال الذي يثور بداية ، هو ما مدى مصداقية إعلام العدو ولمن يوجّه الخبر ؟؛ أما المصداقية فهي في حدودها الدنيا إن لم تكن معدومة، وقد خبرنا ذلك في مرات ومرات سابقات ، ومنذ متى يستقي "الوطنيون" معلوماتهم من العدو؟، إضافة إلى أن الجهتين العبريتين لم تُعلنا عن مصدريهما وهذا أول مسمار يُدَق في نعش المصداقية المفقودة ابتداءً، وحتى ما أذاعته " BBC " فهو منقول عن هاتين الجهتين ؛ فضلاً عن أن العديد من الوكالات والمواقع قد شككت بالخبر وعدّته مضللاً ودونكم الشابكة العنكبوتية لتروا صدق ما أقول !.
أما الجهة المقصودة بالخبر المزعوم فهي جمهور العدو في الداخل وذلك لتطمينهم على أن دولتهم قادرة على تعويض النقص في البضائع والخضروات وغيرها بعد أن منع اليمنيون وصول البواخر و السفن إلى موانئ العدو؛ وهذا أمر مفهوم في ظل دولة تخوض حرباً عدوانية بدت قصيرة للوهلة الأولى في أذهان قادتها ثم طالت لأسباب أولها الصمود الأسطوري الذي أبداه الفلسطينيون في غزة .
والجمهور الآخر هو الجمهور الأردني على نحو التحديد والعربي بعامة؛ كي تدبّ روح الشكّ ما بين الشعب والدولة وأجهزتها الحكومية المختلفة، وبدلاً من أن يقوم المعارضون من مختلف أطيافهم وبخاصة الإخوان من التحقق من الخبر ومصدره وواقعيته، تلقف هؤلاء " الإشاعة " وتبنّوها وأطلقوا لها العنان في الشارع؛ ذلك أنها تحقق لهم مقصداً مهماً عندهم وهو ضرب مصداقية الدولة وأجهزتها المختلفة وإضعاف صورتها أمام الشعب وإظهارها بمظهر المتعاون مع العدو، ما أسماها من أهداف!.
ولكن إن عرضاً للموضوع على العقل والمنطق السليم سيقوم بتفنيد هذه "الفرْيَة" ويمنعنا من الوقوع في الوهنّ الذي صنعه أصحاب الصوت العالي وهنا أقتبس من مادة جديرة بالاحترام أدرجها الناشط السياسي نور شبيطة على صفحته على فيس بوك وأن كانت بالعاميّة التي قصدها الناشط ؛ بغية وصولها لأكبر عدد من الناس ، يقول "طيب تعالوا شويّ نحاكم الموضوع بالمنطق: سفينة الشحن بتقدر تشيل من ٥٠٠ حاوية لـ٢٤ ألف حاوية، وخلينا نقول إنه سفن الحاويات المستخدمة بتشيل ٥ آلاف حاوية. هاي السفينة ما قدرت تعبر مضيق باب المندب بسبب القرار الوطني اليمني، فنزّلت الخمس آلاف حاوية في دبيّ وصار لازم تحمّلهم بالشاحنات للأردن، وخلي كل شاحنة تشيل حاويتين، فاحنا بنحكي عن ألفين وخمسمئة شاحنة، كل شاحنة بدها تقطع مسافة أكثر من ٢٠٠٠ كيلومتر. عندك تصوّر قديش بيصير سعر السلعة اللي حقها دينار هيك؟ والله بتنط العشر دنانير عادي. ثم إنه قافلة الشاحنات هاي منظر ما راح يظل حدا في الأردن إلا وشافه، وتأمين الحماية له مستحيل لوجستيا خصوصا من الجمهور الأردني المعروف بتبنّيه القضية الفلسطينية "، وأضيف عليها الموقف الرسمي الذي يرفض ذلك وينفيه جملة وتفصيلاً!.
ولكن هل غَفِل هؤلاء عن هذه المقاربة المنطقية للموضوع بكليّته؟ والجواب لا، ولكن هذا هو فقه المعارضة السلبية عندهم إذ يُحيّدون المنطق والعقل مادام لا يخدمهم، ويتركون للعاطفة والوهم والنوايا الخبيثة العمل استغلالاً للشارع الذي يختطفونه بالصوت العالي؛ وتبلغ السذاجة مبلغاً كبيراً في ذلك الفيديو الذي يلاحق رتلاً كبيراً للشاحنات، لم تزد عن واحدة طبعاً، وتحمل لوحة تركية، على أنه دليل على الجسر البرّيّ!، وهنا أتساءل كما غيري هل هذا الأسلوب في التعامل مع الموضوع يخدم فلسطين وقضيتها العادلة؟ لا بالطبع، لأن قوة الأردن ومنعته من جهة وجبهته الداخلية القوية هي قوة لفلسطين وغزّة ولحقوقهم المشروعة والعكس، لا قدّر الله، صحيح أيضاً.
أعتقد أن موقف المعارضة عامة والإخوان خاصة ينطلق من عجز سياسي وفقدان للتوازن؛ مرده صفريّة البرامجيّة في أدبياتها السياسية والاقتصادية على نحو خاص؛ فمعارضتها لأجل المعارضة فقط؛ فهي دائمة الاحتجاج وتفتقر إلى الروح الإيجابية التي تتصف بها المعارضة الوطنية والتي تنبني على مرجعية وطنية غير عابرة للدول ، تحكم أفعالها وتصرفاتها ومشاركتها في الجهد السياسي؛ تعظيماً للمشتركات التي تصبّ في مصلحة تعزيز قوة الدولة ومنعتها ضد العاتيات والنوازل الكثيرة وبخاصة أن الوطن محاصر بالأزمات والجوار غير المستقر!.