مناسبتين اجتماعيتيين مهمتين لا يقبل من الاردنيين عذرا لعدم المشاركة بها إلا اذا كان العذر مبررا ومقنعا، الأولى تتعلق في تقديم واجب العزاء والثانية زيارة المريض ، فالموروثات الاجتماعية والعادات والتقاليد والدين تكرم وتجل وتحترم وتقدر من يبادر للمشاركة في هاتين المناسبتين اللتين يجمعن ابناء المجتمع على الخير والمحبة والتآخي والتلاقي ورفع المعنويات والتكافل بين افراد المجتمع .
ساترك الحديث عن المناسبة الأولى واتحدث عن الثانية ، فعندما يرقد المريض على سرير الشفاء ، سؤال يجول في الخاطر والوجدان والعقل عن القوة الخفية التي تحرك ابناء المجتمع لزيارة المريض ، هل هي المشاعر التي تترجم الى سلوك اجتماعي لغرس ورعاية بذور الطيبة والرحمة والود والتعاون وجلها سلوكيات يتبناها عقل الانسان وقلبه وتترجم الى سلوك انساني مميز ترفعه درجات ، والله سبحانه وتعالى منح عبادة نعمة العقل والقلب والمشاعر والاحاسيس وقدمها له على طبق من " الالماس " ليترجمها الى سلوك فعلي ، والمريض لا يريد من زائريه الا الدعاء الطيب بالشفاء لتخفف عليه اوجاع المرض وانينه وترفع المعنوية وتشد الهامات وتجدد الطموحات والامل في المستقبل وتجاوز المرض.
اعتذر للقراء الافاضل ان وجهت مقالي للحديث عن قضية شخصية ، ولكن عندما نسخر التجارب الشخصية لخدمة المجتمع في ترسيخ القيم النبيله ، فاننا نذكر لأن الذكرى فيها دروس وعبر ، فلقد انعم الله على مؤخرا بالمرض ، ورقدت على سرير الشفاء لاصابتي بكسر في الرجل اليمنى ، ادى هذا العارض الصحي الى تداخلات جراحية تخللها وضع مرابط معدنية ووصلات ومشدات لوصل العظم الذي تجزأ عن بعضه ، عملية طبية جراحية صعبة كما شرحها لي الاطباء ، وساعات انتظار تجاوزت (4) ساعات كان ينتظر ابناء واخوة واخوات واصدقاء في الكرادور المجاور لغرفة العمليات، وعندما استيقضت من اثار العملية الجراحية وجدت من حولي يوزارونني ويشدون من عزيمتي ، وهناك من وصلهم الخبر من محافظات خارج العاصمة ومن انحاء متفرقة من العالم وكل يشد ازري بطريقة الاتصال المتوفره لدية فنحن نعيش عصر الاتصال بكافة فنونه وتجلياته ، " من البريد الالكرتوني الى رسائل الاس ام س ، الفيس بوك ، المواقع الالكترونية التي تتسيد المشهد العالمي في الاخبار وحولت العالم الى ( لاب توب ) لتجعله وما يدور فيه من احداث في قبضة يد مستخدم الحاسوب يتجول به براحة وانتقائية ، وبعد نشر الخبر على وكالة عمون الاخبارية التي نشر ( 106 ) تعليقات من كافة انحاء العالم ، من ساحل العاج الى ولاية انديانا في امريكا ، وتونس ودول الخليج والعديد من الدول العربية ، بالاضافة الى زيارات شخصية صادقة معبرة تجيش عما يجول في ازائرين ، سررت لنعمة التواصل والتكافل التي رزقنا بها الله سبحانه وتعالى والتي ميز الانسان بها ليتمسك بها " وخلقنا الانسان في احسن تقويم " و " مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى" ، تتوحد المشاعر والاحاسيس وتهب لزيارة المرضى. في جانب اخر لا زال البعض متمسكا بالانا والتكبر والاستكبار والجحود، نعترف لكل انسان شخصيته وسلوكه واداؤه الذاتي ، ولكن لا نعترف بمن يسرف ويبالغ ويخرج عن الروح الاجتماعة التي تفخم زيارة المريض ، فما اصعب أن يقرر الانسان قتل المشاعر والاحاسيس وقطع شرايين العطف والحنان وجسور الموده والخير من أحشاء القلب ويحرمه من الأحاسيس الجميلة ، نقول في جلساتنا واحاديثنا وتتفنن السنتنا بوصف الورد وجماله الخلاب ولكن ييموت الورد إذا لم يسقيه صاحبه الماء الذي يحييه، ويموت القلب إذا لم يسقه صاحبه بالحنان والعاطفة الصادقة الجميلة، ويموت العقل اذا لم يبتعد صاحبه عن الغرور والحقد والتكبر والانانية والافتراء والكذب وشهادة الزور. سؤال سيبقى يجول في خاطري وخاطركم لماذا لا يتعامل الناس مع بعضهم بمحبة وطيبة وتعاون وتكاتف وتسامح ويجعلون هذه القيم عنوانا لحياتهم؟!.
وبعد ،،، الحياة اقصر مما نفكر فيها باسلوب سوداوي، ونقضيها بالتشاحن والتباغض، ونتشفى بمصائب الآخرين، فالله محبة، والحياة محبة، ولا يقدر على الحب الا الانسان السوي النقي الطاهر المطهر من الافات النفسية البغيضة. فالحب والصفاء يشعل فتيلة الامل، وينير الدروب المعتمة ويخلق القدرة على التسامح والايثار اما الحقود وشاهد الزور والكذاب والاناني فهم اصحاب نزعة تدميرية عدوانية يحقدون على الناس كافة وعلى انفسهم فكيف يستطيعون محبة الاخرين؟!.
اسأل الله لهؤلاء الشفاء لانهم المرضى الحقيقيون، اما الذين يرقدون على اسرة الشفاء فهم بعناية الله وبين يدي الاطباء المهرة، ومن منطلق الحب للجميع دون استثناء اسأل الله الشفاء لهؤلاء واولئك سائلا الله تعالت قدرته وتجلت حكمته ان اسد دين كل من زارني ومن لم يزرني على الجميل الحار الذي طوقتم به عنقي، واذكر بالقول ان تشعل شمعة خير من ان تلعن الظلام، وان تمسح دمعة افضل من صخب الجعجعة والنفخة الكاذبة.
مسك الكلام ،،،، زيارة المريض ترفع معنوياته وتشد ازره وتساعده على تخطي المرض وتحقق التكافل والتعاون بين افراد المحتمع ، فلنحرص على زيارة المرضى والتواصل معهم .
اضاءه هامة : شكر وتقدير الى وكالة عمون الاخبارية التي اتشرف بالكتابة فيها منذ انطلاقتها لنبل موقفها ، ومتابعة حالتي المرضية ، والسؤال الدائم عني وعن افراد اسرتي، وهذا عهدي في " عمون " صوت الاغلبية الصامتة .
اكاديمي ، تخصص علم اجتماع
ohok1960@yahoo.com