حذّرنا, هنا, مرارا وتكرارا, من الآثار السلبية لعمليات نقل " الأصوات" الكثيفة بين الدوائر الانتخابية, والسيطرة على نتائج الانتخابات بكتل من " الأصوات" المجهّزة والمنظّمة.وهي عمليات غير قانونية ومصممة لتأمين إنجاح مرشحين " معينين".وكان " المركز الوطني لحقوق الإنسان" , بمصداقيته العالية, قد أوضح, في مذكرة رسمية, انتشار هذه العمليات , وطالب بإلغائها, مثلما أوضح عدم قانونية الاقتراع بالبطاقة الشخصية , مؤكدا على أن الاقتراع الصحيح لا يتم إلا على أساس جدول الناخبين, بما يمنع التلاعب وتكرار الاقترع.
كذلك, كشف" حزب جبهة العمل الإسلامي", معطيات ووثائق تؤكد حدوث الاختراقات المشار إليها آنفاً. وهي اختراقات معروفة من قبل قطاع واسع جدا من المواطنين , وأخبارها متداولة, بما في ذلك كميات "الأصوات" المنقولة , ولصالح مَن من المرشحين!!بل إن بعض هؤلاء الأخيرين يتحدث , صراحة, عن عديد "الأصوات" التي تمكن من نقلها بمساعدة رسمية.
لكن ما شهدته الانتخابات البلدية, أمس, من الاقتراع بالحافلات, والإقتراع " الأمّي", والتكرارات, والمنوعات العديدة من الإختراقات الطريفة,تجاوز كل الحدود, وأحرج الدولة. وبغض النظر عن كل المداخلات , تتحمل حكومة د.معروف البخيت, المسؤولية السياسية عن الفشل الذريع للعملية الانتخابية, وأحداث العنف, والإساءة الى صورة الأردن.
في أي انتخابات بلدية أو برلمانية أو نقابية, من المرجح أن يقف التقدميون في المعسكر الآخر المضاد للإسلاميين , ولكن في إطار المنافسة الحرة النزيهة التي تظهر الأحجام , وتسمح بالصراع السياسي. فالإسلاميون قوة رئيسية في المجتمع الأردني , ولا تؤدي الضغوط عليهم سوى إلى تقويتهم أكثر فأكثر. كذلك , فإن تصميم اللعبة الانتخابية, بذريعة تحجيم الإسلاميين, تضرب , في الوقت نفسه, الديمقراطيين و التقدميين , وكل التعبيرات السياسية المستقلة الأخرى, وتنتهي ب¯ " تعيين" المرغوب فيهم في المقاعد البلدية والنيابية. وهو ما يجعل العملية الديمقراطية, بمجملها, ملهاة من النوع الرديء.
بالمحصلة, خسرنا , جميعا, الانتخابات البلدية, بوصفها آلية للتحشيد الاجتماعي للحكم المحلي, وربح اليأس والتطرف, مثلما خسرنا المصداقية الديمقراطية , عربيا ودوليا, وربح أعداء الأردن.
وستكون الخسارة أكبر إذا لم يجر تدارك الأخطاء المرتكبة من قبل الإدارة,في الانتخابات النيابية المقبلة. فمصداقية هذه الأخيرة, لم تعد تحتمل أي تشكيك يصدر عن أي كان.
لقد فوجئت بأن نائبا ديمقراطيا , مثل الصديق الدكتور ممدوح العبادي, يدافع , في حديث إذاعي , أمس, عن عمليات نقل " الأصوات" , مميّزاً بين ما هو قانوني منها وغير قانوني, لكنه يتجاهل أن هذا التمييز غير ممكن واقعيا , خصوصا في الدوائر الانتخابية في العاصمة, حيث الخليط السكاني الكثيف , وتنامي الأحياء الجديدة, يحولان , كليا, دون معرفة النقل القانوني من غير القانوني, بالاستناد إلى الأسماء , أو مناطق السكن . وهي في عمان متبدلة كما الباب الدوّار. ولا توجد جهة , بالتالي, تستطيع تحديد قانونية نقل كتل " الأصوات" إلا الجهات التي سمحت بنقلها لخدمة مرشحين مرغوبين, رغبة مكشوفة لا تخفى على الرأي العام.
الحل الوحيد لإنقاذ مصداقية الانتخابات النيابية المقبلة , يكمن ,إذاً, في 1- إلغاء جميع عمليات نقل " الأصوات" من دون استثناء , مع السماح للمواطنين الأفراد من القادرين على إثبات قانونية طلبهم الشخصي بالانتقال إلى دائرة أخرى, بالاعتراض,-2- الاقتراع على أساس جداول الناخبين , واستخدام البطاقة الشخصية لإثبات الهوية فقط 3- اتاحة الفرصة لمنظمات المجتمع المدني بالرقابة المباشرة على العملية الانتخابية.
الأردن , وطنا ودولة ومصالح استراتيجية, يحتاج , الآن, إلى انتخابات نزيهة ذات مصداقية عالية , تحرّك المنافسة السياسية الداخلية , وتنتهي إلى برلمان تعددي قادر على تمثيل المجتمع . وهكذا برلمان هو ضرورة وطنية 1- لمجابهة التحديات الإقليمية الكبرى التي يواجهها بلدنا في المرحلة الصعبة المقبلة 2- لمراجعة النهج الليبرالي الجديد في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت تمثل عبئا لا يُحتمل بالنسبة للأغلبية الشعبية , مثلما أصبحت تهدد الخدمات العامة وصلاحية بناها التحتية , بسبب تراجع الأولويات الاجتماعية في الإنفاق العام 3- للتأسيس للانتقال إلى الديمقراطية التي لم تعد خياراً, بل غدت البديل الذي لا غنى عنه لضمان التقدم الأردني.