إذا كانت هناك نية فعلية لصياغة جديدة لأنظمة وقوانين النقابات والأحزاب السياسية فإنه لا يجوز أن يتم هذا لا تحت ضغط اللحظة الآنية ولا من قبيل الترضيات التي هدفها استدراج «الشعبية» العابرة إذْ مع أن الأردن لا يبدأ من الصفر ولديه تجربة طويلة فإن التجديد المطلوب دائماً وأبداً يقتضي انجازات إستراتيجية تكون عبارة عن صياغة للمستقبل وبعيدة عن «السَّلْق» والتسرع والارتجال.
وأولاً لابد من أن يكون الإصلاح المطلوب ,الذي يؤسس لانطلاقة واعية نحو المستقبل, عامّاً ,ويشمل الأحزاب والنقابات وكل هيئات المجتمع المدني, ولا يقتصر على الأمور الرسمية-الحكومية فواقع نقاباتنا وأحزابنا الحقيقية والوهمية إن لم يعد النظر فيه فإنه سيكون عبئاً على التنمية السياسية التي أصبح لها وزارة خاصة والتي بدأ التركيز عليها منذ بداية العودة للمسار الديموقراطي في عام 1989 وغدت بالنسبة لكل حكومة من الحكومات المتعاقبة منذ بدايات الألفية الثالثة ,وما أكثرها, كمعلقة عمرو بن كلثوم.
إنه لا يحقُّ لحزب من الأحزاب أن يصوغ مستقبل الأردن ومستقبل الأردنيين بما يتلاءم مع مفاهيمه وتصوراته وقناعاته أو أن يبتز من هو في موقع المسؤولية باللحظة الآنية في الإقليم وفي المنطقة فالديموقراطية تعني الشراكة وتعني التعددية وتعني الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والى وجهة نظر الأكثرية وبهذا المعنى فإن «الاستبداد» السياسي الذي تمارسه جماعة الإخوان المسلمين وحزبها حزب جبهة العمل الإسلامي على الأردنيين من المفترض ألا يكون مقبولاً وإن التهديدات التي يطلقها بعض رموز هذه الجماعة وهذا الحزب والتي تجاوزت كل الخطوط الحمراء يجب ألاّ تستمر لأن استمرارها سيؤدي بالنتيجة إلى خلل كبير في حالة السلم الاجتماعي الذي يعيشه هذا البلد والذي ننعـم فيه.
في كل الأحوال علينا أن نضع في اعتبارنا منذ الآن ,ونحن متجهون لصياغة جديدة لحياتنا السياسية والحزبية, أنه يجب ألاّ يكون هناك حزبٌ بعنوان أو شعار ديني فالدين يجب إبعاده عن السياسة ويجب إبعاد السياسة عنه لأن الدين لله والسياسة للجميع ثم وأنه غير جائز ,حتى تكون هناك مساواة بين الجميع, أن يكون للبعض حق العضوية في حزبين سياسيين حزب الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي وأن يُحرم البعض الآخر من هذا الحق.
وبالنسبة للنقابات المهنية وغير المهنية فإن ما يجب أن يعرفه الذين يتحدثون في هذه الأيام بسخاء عن الإصلاح والتغيير أن «العضوية الإلزامية» بالنسبة لمثل هذه النقابات والتنظيمات والاتحادات ليس فقط أنه غير معمول بها في الدول الديموقراطية كلها.. كلها بدون استثناء بل أنها ممنوعة وفقاً للقوانين النافذة في هذه الدول وذلك لأنها تتعارض مع الحريات الفردية ولأنه من حق الفرد صاحب المهنة أن يقرر ما إذا كان في مصلحته أن ينتسب لنقابة من النقابات أم في غير مصلحته.
ولهذا فإنه غير جائز أن نتحدث عن الإصلاح والتغيير وأن نبقى نتمسك بإلزامية العضوية النقابية إن في نقابة الصحافيين أو في نقابة المهندسين أو في نقابة المعلمين الموعودة أو في أي نقابة أخرى فهذا من إرث الأنظمة الشمولية الاستبدادية التي كانت تصرّ على صياغة حياة الناس على هذا النحو كي تمتن التحكم بهم وبحياتهم وهذا هو ما تريده الجهة الحزبية التي تصر على إلزامية العضوية في كل النقابات القائمة والتي لا تزال على طريق التشكُّل إن في الفترة المنظورة القريبة وإن في الفترة البعيدة.
إننا الآن بصدد صياغة مستقبلنا وفقاً لمواصفات الدول والمجتمعات المتقدمة والديموقراطية ولهذا فإنه علينا أن نتحاور وأن نتفق ونتفاهم بعيداً عن ضغط اللحظة الراهنة التي تتعرض لها المنطقة كلها وبعيداً عن أن يحاول حزب من الأحزاب أو طرف من الأطراف أن يملي علينا هذه الصياغة إملاءً وفقاً لمنطلقاته وتصوراته الخاصة وكذلك فإنه علينا أن نضع في اعتبارنا ,ونحن نقف عند هذا المنعطف, أن الحرية الشخصية هي الأساس وإن الإقصاء مرفوض وإنه يجب السمو بالدين وإبعاده عن السياسة وأن حشر الناس حشراً في النقابات رغم إرادتهم يتعارض مع أبسط الحريات ومع القيم الديموقراطية وأنه لا وصاية لأي حزب أو تنظيم على هذا الشعب ولا حق له النطق باسمه... إنه علينا ألاّ نجامل بعضنا بعضاً وأنه لابد من الصراحة.. كل الصراحة!!
(الرأي)