"الكرسي دوار" لو دام لغيرك ما وصل إليك
فيصل تايه
29-02-2024 10:26 AM
المحطة الأخيرة لمسيرة عمل المسؤول هي "التقاعد" مهما كان موقعة الوظيفي، ومهما كان المركز الذي يشغله، وفي مجتمعنا دائماً ما يحظى المسؤول بالاهتمام الاجتماعي الكبير أثناء فترة عمله، لكن سرعان ما ينطفئ هذا الوهج عندما يفقد منصبه او مكانته، فمعظم هؤلاء تجدهم يتوارون عن الأنظار، فيما على الجانب الآخر يتجاهله من عمل معهم او من كان معه في محيطه العملي او حتى معارفه من الناس بمجرد إحالته للتقاعد او إعفائه من منصبه، ولا شك أن هناك أسباباً كثيرة منها المصلحة والواسطة والتنفع لتحقيق مصالح بينهم عامة والمسؤول، وهذه المسببات قد تعود لثقافة المجتمع المصلحية نفسه قبل المسؤول، والتي من الممكن أن يتعرض لها الموظف جراء ذلك لتأثيرات وانعكاسات نفسية عند التقاعد قد تظهر عليه عند إعفائه من منصبه.
من الملاحظ أن ثقافة المجتمع مبنية على المصالح النفعية لان المسؤول حين كان في موقع المسؤولية، كان يحظى بالاهتمام والاحترام سواء داخل وزارته التي يعمل بها، أو في محيطه الاجتماعي خارجها، فيأخذ ذلك الاهتمام بشخصه ويتنامى بشكل لم يعتده من قبل، فهذا الاهتمام والحب لم يكن بالطبع لشخصه ونزاهته أو أمانته، وإنما رغبةً في التقرب منه للمصلحة والتمهيد للمكاسب و"الوساطات"، وتستمر هذه الحالة طيلة فترة تسلمه لمنصبه قبل أن يتم إحالته إلى التقاعد، فسرعان ما يتساقط كل من حوله حتى يختفوا تماماً، فلم يعد "موبايله" يكاد يرن سوى من زوجته لتلقي طلبات المنزل أو من أبنائه أحياناً، عندها تأكد أن الوهج الذي حظي به خلال فترة عمله كمسؤول لم يأتِ كحب حقيقي صادق لشخصه وطريقة عمله وإخلاصه، بل كانت علاقات تغلفها المصالح البحتة، وكانت ضريبة علاقة الحب السطحي القائم على المصلحة والنفاق، ولم يكن اي اهتمام لميزة أو صفة حميدة في شخصه، بل لمنصبه الذي كانوا يتقربون منه لأجل تحقيق مصالح شخصية فقط، وستدور الدائرة بمن يأتي من بعده بنفس السيناريو المتوقع.
دعوني اخاطب هنا بعض الشخصيات النامقة والتي شغلت مواقع "مسؤولية" وكانت تتبجح بالجاه والمنصب و"يا ارض اشتدي ما حد قدي" ان كل واحد منهم عليه ان يهيئ نفسه بأنّه سيترك موقعه المسؤول ومركزه الوظيفي الذي شغله، وكما قيل فـ "الكرسي دوار"، ولو "دام الكرسي لغيرك ما وصل إليك"، وهذه سنة الله في الحياة، "وأحسب حساب" ان وهج الموقع الوظيفي او المنصب "يا صاحبي" سيتلاشى، إلا أن التقدير الاجتماعي أمر آخر وليس شرطاً أن يرتبط بوهج المنصب، فهو يتصل باحترام الناس وحبهم، وان التقدير الاجتماعي يستمر حتى بعد ترك المنصب، اذ يعتمد على عمل المسؤول وجهوده وعلاقاته الطيبة وفضله على الآخرين من بعد الله عزّ وجل، بالإخلاص في العمل، والنزاهة والتواضع والعدل والمساواة في التعامل، وأداء الأمانة الملقاة على عاتقه، وتغليب المصلحة العامة والوطنية على المصلحة الخاصة والشخصية، إلى جانب بناء العلاقات الإيجابية مع الآخرين، والانجازات والجهود في خدمة الوطن.
ما أردت قوله، انّ المسؤول حين يترك الوظيفة يترك معها الأثر الطيب ليستمر تقدير الناس واحترامهم له، فنسمع حديث الثناء عليه وعن جهوده في التفاني وخدمة الوطن في المجالس الخاصة والعامة حتى بعد وفاته، فجهود المسؤول وأعماله في خدمة الوطن هي خير شاهد على التقدير المجتمعي وهو الذي لا تمحوه الذاكرة.
بقي أن أقول لكل من هو في موقع المسؤولية، ان الوفاء من شيم النبلاء، والعطاء من صفات الأوفياء، بها تزيد الأخلاق، ومعها تنبت زهور خدمة الوطن المعطاء، فما أجمل الوفاء إن أتى ممن عرف عنه، وما أقسى الفراق لمن كنت تشاطرهم الحب والعطاء، يرافقه الدعاء لرب السماء بان يبارك العمل ولا ينقطع العطاء..
والله ولي التوفيق