ثلاثة عناوين رئيسية تحكي الموقف الأردني
د.زهير أبو فارس
28-02-2024 09:57 PM
ثلاثة عناوين رئيسية ذات صلة عضوية بالحرب الاجرامية ، التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني على أهلنا في غزة والضفة الغربية منذ أحداث السابع من أكتوبر الماضي، والتي لم يحد عنها الموقف الأردني قيد انملة، تتمثل في : الوقف الفوري للعدوان ؛ وإيصال المساعدات الإغاثية والإنسانية الضرورية ، وبشكل مستدام ؛ ورفض تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية والقدس؛ورفض الفصل بين الضفة وغزة ، اللتان تشكلان امتدادا للدولة الفلسطينية الواحدة ، في إطار رفض تصفية القضية الفلسطينية التي تسعى إليها قيادة الثالوث العنصري الصهيوني التوراتي الفاشي ( نتانياهو -سموتريتش-بن غفير).
واعتماد على هذه المواقف الأردنية المبدئية الواضحة وضوح الشمس ، والتي لا تقوم بتاتا على قواعد الربح والخسارة ، التي تحكم العلاقات بين الدول ، عدوها وصديقها، من منطلق العلاقة التاريخية بين الأردن والقضية الفلسطينية، التي يراها قضية أردنية داخلية، ويرتبط بها عضويا بأواصر التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك ، وهي رابطة لا انفصام عنها . من هنا يمكن القول :
اولا: سياسيا- لقد كانت العائلة الهاشمية ، ممثلة بالملك ، من اوائل من امتلك الشجاعة لكي "يقرعوا جدران الخزان" ، ويطلقوا صرخة مدوية لإيقاظ الأمة والعالم على الظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني ، الذي يعاني من أقدم وأبشع احتلال استيطاني عنصري احلالي عرفه التاريخ المعاصر ، منذ أكثر من خمس وسبعين عاما. فبالنسبة لهم ، كان الصمت يعني المشاركة في الجريمة ، منطلقين ، في كل ما يقومون به ، من القيم والمبادئ النبيلة التي فطروا عليها.
كما لم تتوقف الجهود الاستثنائية للدبلوماسية الأردنية التي يقودها الملك . حيث اثمرت الاتصالات والزيارات لعواصم صنع القرار في العالم (وآخرها في البيت الأبيض ) ، في تغيير ملموس في مواقف العديد من هذه الدول ، وساهمت في حصول استدارة واضحة في وعي الرأي العام العالمي تجاه التشكيك ، بل ورفض السردية الصهيونية لطبيعة الصراع في المنطقة ، والإنحياز التدريجي للمظلمة الفلسطينية.
ثانيا : لقد كانت مواقف الأردن الرسمي والشعبي الموحدة تجاه حرب الإبادة الجماعية في غزة ، استثنائية من حيث سرعة التحرك وفاعليته، من خلال المساعدات الإغاثية والطبية ، وآخرها الإنزالات الجوية ، بالمشاركة الملكية المباشرة، على الرغم من الأخطار الحقيقية لمثل هذه العمليات، التي تمثل قمة الشجاعة والبطولة والاقدام ، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بكيان غاصب لا عهد له ولا أمان ، بل ويضرب عرض الحائط بكافة المواثيق والمعاهدات، مهما كانت .. وأظهرت للعالم الفارق الهائل بين صورة طائرات العدوان التي تحمل الموت والدمار ، وبين الطائرات الأردنية التي تحمل قيم ومقومات الحياة ، وتعبر أصدق تعبير عن وجدان شعبنا الاردني الأصيل، والتفافه ، الذي لا تنفصم عراه حول قيادته الفذة .
ثالثا : ان مشاركة الملك الشخصية وبزيه الميداني ، هو المشهد البهي لقائد وانسان حقيقي شهم ، يشده إلى هذا العمل الاستثنائي جذره الهاشمي الشريف ، الذي لم يستطع الصبر والسكوت على الظلم والهوان الذي لحق بأهله في غزة هاشم ، رافضا ، بكل عزيمة وإصرار، جريمة العصر ، منتصرا للأخ الشقيق المظلوم . كما يؤشر إلى أنه ينوب عن أمة باسرها ، ومصمم على كسر الحصار ، مهما كان الثمن والتضحيات، وإفشال مخططات التجويع البشعة ، وكذا رسالة للعرب والمسلمين والعالم ، ان الصبر قد نفذ ، وأن الصمت بعد الآن، جريمة لا تغتفر، وأن الامتين العربية والإسلامية والعالم ، مطالبين بتحمل مسؤولياتهم الدينية والأخلاقية والإنسانية ، بضرورة التحرك لوقف العدوان وجرائم التجويع والإبادة. فالتاريخ لن يرحم الساكتين والمتقاعصين العاجزين ، ودماء وأرواح أطفال ونساء غزة الأبرياء ستلاحقهم ، ولن يجنون إلا اللعنة إلى يوم الدين .
واخيرا، فإن هذه الصورة التي سيخلدها التاريخ لملك مجاهد ، تسامى على كل الشكليات والبروتوكولات ، هي النقيض الحقيقي لصورة الأطفال الذين يخرجون من تحت الانقاض برؤوسهم الشعثة المهشمة، ووجوههم المعفرة بالتراب الممزوج بدمائهم الزكية، كناجين بمعجزة من محرقة العصر ، بثيابهم الممزقة بشظايا القنابل والصواريخ، وركام بيوتهم التي دفنت تحتها أشلاء عائلاتهم، وآخرون يتضورون جوعا ، يستنجدون باخوانهم في الدين والعروبة ، وآخرين في الإنسانية، ان يمدوهم، بما يسد رمقهم من بعض الطعام والماء ..واؤلئك الذين قضوا ، كغيرهم من آلاف الغزيين وهم ضارعين إلى الله ان ينقذهم من هذا الجحيم الذي تصبه عليهم الطائرات والصواريخ الصهيونية "الذكية"منها "والغبية" (لا فرق) أمريكية الصنع .
إنها آلة الحرب الهمجية من ذلك العالم المزيف ، الذين اشبعونا، وعلى مدار عقود طويلة ، قيم الحرية ، والديموقراطية ، والعدالة ، وحقوق الإنسان ، والتي سئمنا من تكرارها ، بل وأصبح الحديث عنها يجعلنا نشعر بالغثيان والدوار . لقد فضح تماما تعدد مكاييل تصنيفاتهم للجنس البشري.
لقد جسد بلدنا وقائدنا المشهد الآخر والانبل ، المناقض للعدوان الصهيوني المدعوم والمسكوت عنه ، من قبل هذا العالم الظالم الذي كشفت دماء وأشلاء ضحايا شعبنا الفلسطيني زيف قيمه وعوراته البشعة .