من حق الشعب أن يحاسب الفاسدين، فهؤلاء لم يغنوا ويترفوا إلا على حساب الشعب .. أطفاله ونسائه، شيوخه وعجائزه، وشيبه وشبابه.
هذه "مُسلّمة" لا نقاش فيها، وهي سر قوة الشعوب، والأهم، أنها اللغز الحقيقي الكامن وراء ثورات الشعوب العربية التي إنطلقت من تونس ومرت بالقاهرة، وتحط الآن في ليبيا واليمن وغيرها من البلدان.
على ذلك، فإن اللعب بـ "حق الناس" بالحياة الكريمة، خط أحمر من شأنه أن يأخذ الأوطان الى حد الهلاك، فكلمة الشعوب هي العليا، وهي التي لا تقهر، فسيناريوهات "الثورات على الفساد" أثبتت بأنه كلما زادت إراقة الدماء، كلما إشتعلت الشوارع، وكانت النتيجة عواقب لا تُحمد.
عظة أخرى لا بد أن تُستخلص من هبات الشعوب، فكلما تلكأت الأنظمة في التجاوب مع مطالب الناس، كلما إزدادت حدة الإحتجاجات، وبالتالي إرتفع سقف المطالب حتى يصل حد "الإقصاء"، وهذه تكون أولى الخطوات نحو إنهيار الثقة بين رأس الهرم والقاع، ولا يُستبعد وهذه الحالة أن يتجسد سيناريوها تونس ومصر على الأرض، ويبقى الأكثر خطورة أن يُستنسخ نموذجا اليمن وليبيا الأكثر دموية، وعليه فإن الحكومات "العاقلة" لا بد وأن تقرأ حراك الشعوب ومشاعرها الآن بذكاء شديد حتى لا ترى "ثوار " وتتعامل مع ثورة وليس مع مجرد إحتجاجات.
إضاءة مهمة .. الشعوب باتت تعي تماما كل حيلة ممكنة لتصدير "الأزمات" بقصد إجهاض الإحتجاجات، وهذا جرس إنذار دقه الناس للأنظمة حتى لا "ترخي آذانها" للفاسدين من "البطانة"، فنتائج ذلك ليست إلا بداية إتساع غضب الناس، وليس أدل على ذلك من إتحاد المسلمين والأقباط في ارض الكنانة، فلم تفلح محاولات إذكاء الفتنة من جديد بين شقي الشعب، بل وأثبتت الأدلة بأن من فجر كنيسة القديسين في الإسنكدرية هم رجال النظام نفسه، ولعلهم كانوا يرصدون من قبل حراك الشعب المصري وأرادوا أن يجهضوا ثورته في "رحمها"، لكن الناس تجاوزوا كل ذلك وساروا الى الأمام في ثورتهم بعد أن زادت قرقعة بطون أولادهم، وبات الخطر يداهم مستقبل أطفالهم، والظلام - الذي صنعه النظام نفسه - يدنس عقولهم.
في الأردن، مطالب إصلاح واضحة : إقتصادية من بوابة محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين، وسياسية من بوابة "خلع" العقلية الأمنية عن حق الناس في المشاركة بـ "صنع القرار"، ورفع السلطة الأمنية عن الحريات الصحافية والإنسانية، وهذا كله يأتي من بوابة خلق قوانين "منصفة وعادلة وحرة" للإنتخابات والصحافة والإعلام، وقوانين حازمة لمراقبة وردع أصحاب النفوس المريضة واليد "الطويلة"، والأهم من كل ذلك، التوافق على صياغة تعديلات دستورية تمكن الناس من "حقهم" على أن يبقى الوطن هو الثابت الوحيد، وكل ما دونه متحرك بما يضمن بقاء الوطن.
في هذا الشأن خصوصا، شكلت الحكومة مؤخرا لجنة للحوار الوطني تحقيقا لإرادة القصر بالإصلاح وخصوصا بشأن التعديلات الدستورية، ودون الحديث عن المآخذ على طريقة تشكيل اللجنة والكثير من شخوصها، فإن الأهم يبقى في قراءة "طريقة التشكيل و"الشخصيات"، ولعل النتيجة المستخلصة تؤكد بأن رئيس الوزراء والحكومة إما أنهم مترددون في التقدم خطوة هامة وتاريخية على طريق الإصلاح، أو أنهم خائفون من هكذا خطوة، وإلا كنا رأينا شخصيات مختلفة تماما في اللجنة، وطريقة تشكيل مختلفة أيضا مثل التشاور الوطني الواسع، أو حتى الإستفتاء الوطني على تشكيل اللجنة وشخصياتها، ولو أخذت الحكومة مثل تلك الخطوة لقلنا بأن هناك "جرأة وشجاعة" حقيقة للإصلاح، وهذا يؤكد أننا الآن بحاجة لشخص رئيس وزراء، وحكومة "شجاعة" لتصلح.
هذا بعض من شجون كثيرة بشأن الإصلاح الأردني، لكننا الآن في مرحلة "عربية" خطيرة وحساسة لا ينفع معها، والله، السكون والسكوت والخوف، فحولنا الدنيا تتغير، وهناك من إعتقد أنه بمنأى عن كل ما يجري، ووصف وصول الغضب الى عقر داره بأنه "كلام فارغ"، وخسر، وهناك من تعقّل وقرأ جيدا ما يجري حوله وأخذ زمام المبادرة، ونجا بمركب الوطن الى شاطئ الأمان بعد أن تيقن بأن رياح التغيير قادمة لا محالة، والأردن الذي نجا من كل العواصف التي أخذت في طريقها الأخضر واليابس، بحكمة رجال الرعيل الأول، لا بد وأن فيه من الرجال مَن هم أصحاب "ضمير" وحكمة حتى يحافظوا عليه وطنا لكل أبنائه.
Nashat2000@hotmail.com