المنظمات الذكية واستخدام التكنولوجيا في HRM
د. جهاد يونس القديمات
27-02-2024 06:51 PM
يجدر الإشارة بداية أن المنظمات الذكية هي الشركات التي تتمتع بالقدرة على التكيف مع التحولات السريعة في بيئة العمل المحيطة بها، وتستغل التكنولوجيا والبيانات والمعرفة بكفاءة لتحسين عملياتها واتخاذ قراراتها بعد دراستها بعمق، بمعى آخر لديها تفاعل سريع مع كل ما هو جديد، ولديها مرونة فائقة في استيعاب وتذليل كل العقبات المتوقعة، ولتحقيق هذا التجاوب يتطلب إيجاد ثقافة لدى القيادة والإدارة والموظفين، تدعم وتشجع الإبداع والإبتكار والمبادرات والمقترحات وتنصت إليها بشكل دقيق ولافت. إنها ببساطة، شركات تحرص على المشاركة والتعلم وتبادل الأفكار (L&D)، كحرصها على الإنتاج والتسويق والمبيعات، وبمنهجية علمية ومهنية.
من جانب آخر يعزز التحول الرقمي جهود الشركات الذكية للحصول على بيانات دقيقة، ومعلومات صحيحة، لصناعة قرار سليم، من خلال ملاحظة المشكلة وتفكيك مسبباتها لدراستها، ثم يقدم تحسينات لحلها، وإيجاد حلول دائمة لأية تحديات متوقعة، وعمل تغذية راجعة للاستفادة من دروسها (learned Lessons) في تحسين دورة العمل بكفاءة وفعالية. يمكن القول أن التجارب العملية تشير إلى أن استخدام التكنولوجيا بذكاء يساهم في التغلب على التحديات الممكنة نتيجة تقلبات البيئة، وتحولاتها السريعة.
إن مجالات استخدام التكنولوجيا في الشركات الذكية عديدة ومتنوعة، فعلى سبيل المثال يمكن للرقمنة تحسين ممارسات إدارة الموارد البشرية، عبر إمكانية استخدام نظام المعلومات (HRIS)، للوصول إلى خدمات الدائرة، فالخدمات الذاتية تمكن الموظفين منها (بكبسة رز) باستخدام الهاتف الذكي، وبالتالي توفير الكثير من الوقت والمال والجهد، إضافة الى دقة البيانات، مع المحافظة على كامل الإجراءات الداخلية، لتصبح رقمية. كما أن نظام (HRIS) يضبط التعويضات، ويشرف ويراقب على الأداء، وفقا للأهداف المنبثقة من استراتيجية هذه المنظمات، وفي المحصلة تحسن تجربة الموظفين الرقمية حول الأسلوب الذي تدير بها الشركة مواردها البشرية (Digital Employee Experience)، لتصبح في نهاية الأمر منظمة ذكية، بمعنى آخر لتصبح شركة بلا أوراق، ويضيف قيمة حقيقية لوظائف دائرة الموارد البشرية، ويدفع بالشركة لأن تكون أكثر ثقة بنفسها، وبإمكاناتها، وأكثر جانبية للباحثين عن الوظائف من المتميزين.
تتحدث الدراسات أن رقمنة الموارد البشرية في إطار التحول الرقمي يساهم في عدة نتائج مهمة على المدى البعيد، منها: توفير إمكانية التعلم الآلي والتطوير المهني، والقدرة على العمل عن بعد (Remotely) والوصول إلى المعلومات من أي مكان، وفي أي وقت، كما أثبت ذلك تجربة وباء ((Covid-19 العالمي، بالإضافة إلى قدرتها على إدارة قواعد البيانات لتخزين واسترجاع المعرفة والمعلومات بسرعة وكفاءة.
هناك من يرى أن الذكاء الإصطناعي قادر على انتقاء الموظفين من خلال تحليل السير الذاتية، وتحليل استطلاعات رضا الموظفين لفهم التحديات والاحتياجات (Big Data Analytics)، كذلك توجيه القادة والمديرين لتحسين أساليب التعامل مع الموظفين، وتطوير استراتيجيات فعالة في ذلك. كذلك إنشاء منصات تفاعلية (Interactive Platforms) لتقديم الدعم الفوري لهم، وهناك العديد من المميزات والإيجابيات لاستخدام التكنولوجيا نحو المنظمات الذكية.
إن إدارة الشركات التي تعجز عن فهم أهمية استخدام التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي لتحسين أدائها، وأساليب عملها، هي شركات لن تتمكن من المنافسة في السوق، وستتراجع قدراتها شيئا فشيئا في التكيف مع كل ما هو حديث، إلى أن تصبح شركات (غبية) بإمتياز، بإدارة أكثر غباء، غير قادرة على قراءة التحولات السريعة، والتي تحول دون تطورها، وبالتالي استدامة بقاءها في السوق لأطول فترة ممكنة.
من خلال تجاربنا العملية، هناك شركات انتهى بها المطاف إلى الركب الأخير، إما بسبب صعوبة تمويل تحولها الرقمي، أو لجمود العقلية الإدارية فيها عن استيعاب تبعات التحولات السريعة في السوق على قدرتها على المنافسة، وما هي إلا سنوات معدودة، حتى تضطر بعضها لإعلان إفلاسها، أو تصفيتها، أو خروجها من السوق تحت مبررات مختلفة. وسيطل أحدهم يوما ليقول : "تخلفنا عن المنافسة وتراجعنا إلى الوراء بسبب تقنيات واستراتيجيات أقل فعالية."