تحالف لأجل غزة هاشم
النائب الاسبق د. بسام البطوش
27-02-2024 04:11 PM
أنشد الزبير بن عبدالمطلب ذات يوم:
إن الفضولَ تحالفوا وتعاقدوا ألا يقيم ببطن مكة ظالمُ
أمرٌ عليه تعاهدوا وتواثقوا فالجارُ والمعترُّ فيهم سالمُ
قاد بنو هاشم في الجاهلية حلف الفضول، مستلهمين مبادرة أسلافهم في حلف المطيبين، وقال سيد بني هاشم رسول الإسلام محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشميّ القرشيّ: " لقد شَهِدتُ مع عمومتي في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أُحبُّ أن لي بهِ حُمْرَ النَّعَمِ، ولو أُدْعى به في الإسلام لأَجبت". إنه حلف دعا له الزبير بن عبدالمطلب عم رسول الله، فاجتمعت بطون قريش وكنانة في دار إبن جدعان على نصرة المظلوم وردّ الحقوق إلى أهلها، يستوي في ذلك أهل مكة وزائروها وعُمّارها، والضرب على يد الظالم حتى يعود عن ظلمه، يستوي في ذلك الشريف والوضيع.
هذا فصل من فصول أخلاقيات بني هاشم والعرب قبل أن يُبعث محمد صلى الله عليه وسلّم بحوالي عقدين، وقبل أن تولد شرائع أوروبا والغرب ومباديء حقوق الإنسان المعاصرة، وقبل فولتير ولوك وروسو ومونتسكيو، وقبل تصنيع عصبة وهيئة الأمم والمنظمات المنبثقة عنها بقرون، وبعيداً في الزمان والمكان عن إدعاءات مفكري الغرب وساسته في حقوق الإنسان، حدث أن اجتمع سادة قريش وكنانة لنصرة المظلوم، فأسسوا لمباديء حقوق الإنسان والعدل.
كان حلف الفضول سابقة في نصرة المظلوم بمبادرة هاشمية، لكن قريش غاب عقلها، ومات ضميرها، وعمت بصيرتها ذات جاهلية، ففرضت الحصار على الهاشميين أنفسهم في الشعب بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلّم. وما لبث تراث قريش أن أيقظ ضميرها، فبعد أن مكث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين، وذاقوا صنوف الأذى كلها، تباحث رجالات من بني عبد مناف، وبني قصي، ورجال أمهاتهم من بني هاشم، ووصلوا إلى أن هذا الحصار قطع للرحم وإستمرار في الظلم واستخفاف بالحق، فقرروا فك الحصار وتمزيق صحيفة المقاطعة؛ فأحيا هؤلاء السادة مضامين حلف الفضول، ونفضوا الغبار عنه، فأفاد بنو هاشم من تراث حلف الفضول الذي أسسوه لنصرة المظلوم.
وفي هذا الزمن العربي الموحش، وما يواجهه الأهل في غزة من صنوف الظلم والقهر والوحشية الصهيونية، ثبت فشل الأمم المتحدة في رفع الظلم عن المظلومين وردع الظلمة والمعتدين. كما ثبت فشل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وعجزهما التام عن فعل شيء لفائدة العرب والمسلمين، أو لغزة وقضية فلسطين.
من الطبيعي أن تتجه الأنظار في غزة هاشم صوب بني هاشم، وعميدهم الملك عبدالله الثاني، لأن الأردن الأقرب، ولأنه محط رجاء فلسطين على مرّ الأيام والأحداث، ووقف بوضوح قيادة وشعباً ضد العدوان الصهيوني، وطاف الملك العالم مدافعاً عن الحق الفلسطيني، وأشرف على تنفيذ عمليات إنزال جوي مباشر في غزة وعلى شواطئها وفي العريش، لإمداد غزة وأهلها بالدعم المعنوي والغذائي والطبي الممكن، واستنهض همم المنظمات والوكالات الدولية الإنسانية المتخصصة للقيام بواجبها نحو غزة. وذهب ولي العهد إلى أقرب نقطة على حدود غزة ليشرف على إدامة العمل في مستشفيات الجيش العربي الميدانية في شمالها وجنوبها. وقدّم الملك والملكة ووزير الخارجية أقوى المرافعات دفاعاً عن غزة وفلسطين وشعبها وقضيتها في المحافل السياسية وفي الإعلام الدولي. كما فتح الأردن المجال لوصول مساعدات من دول أجنبية وعربية ومنظمات دولية لغزة من خلال الهيئة الخيرية الهاشمية وعمليات الإنزال الجوي المتتالية التي إنفرد سلاح الجو الأردني بتنفيذها بمهنية وشهامة. جاءت هذه الجهود الأردنية ضمن الممكن والمستطاع في ظرف عربي ودولي غاية في التعقيد، في حين صمت من صمت، وحرّض من حرّض، وغاب من غاب.
إن الأردن الكبير بإرثه الأخلاقي ومصداقيته الدولية، هو الأقدر على تكوين تحالف إنساني ـ وسياسي عربي وإسلامي وأممي لصالح فلسطين وغزة هاشم. وعلى أبواب شهر الرحمة، رمضان الخير، فلنتجه بكل مخزون الخير الكامن في هذا البلد الطيب لنصرة غزة بكل ما نستطيع. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
• أستاذ التاريخ والحضارة في جامعة الحسين بن عبدالله التقنية