تقمص دور الضحية وأثره على الاسرة
د. أحلام ناصر
27-02-2024 02:17 PM
إن تقمص دور الضحية في الأسرة يمثل ظاهرة نفسية تنطوي على تبني بعض الأزواج (الزوج او الزوجة) لسلوكيات تجعلهم يظهرون كضحايا، وذلك بهدف تحقيق اهدافٍ ومكتسبات على حساب الآخرين، وقد يكون منهجا لتبريرالاخفاقات وضعف الانجازات في الحياة. يُشير هذا السلوك إلى نقص في القدرة على تحمل المسؤولية، حيث يفضلون البقاء في مناطق الراحة، مستخدمين التعاطف الذي يظهره محيطهم لصالحهم. يسعى هؤلاء الأفراد إلى جذب الانتباه واستنزاف طاقةِ من حولهم عبرالشكوى المستمرة، وتحميل الآخرين من افراد الاسرة، وخاصة الشريك الاخر أعباء ومسؤولية المشكلات والتحديات التي تواجه العائلة. يعتبر وُجود شخص يتسم بالشكوى المتكررة له تأثيرًا مكلفًا نفسيًا وجسديًا على كافة افراد الاسرة.
الشخص الضحية هو من يستخدم العوامل الخارجية مثل الظروف وسلوك الاخرين لتبرير مشكلاته ومعاناته وفشله في الحياة، بينما يتجاهل إمكانية التغيير أو التكيف مع الواقع الذي يعيشه. يعبر عن نفسه بكلمات سلبية، ويعتقد بانه ليس جزءً من المجتمع الذي يعيش به وانما خلق لزمنٍ مختلف، مُظهرًا فقدان الثقة والاستسلام، ويعزو اخفاقاته في الحياة للاخرين بشكل كامل. إن تكوين هذه الشخصية يبدأ في الطفولة، حيث يتأثر الطفل باسلوب المعاملة من المحيطين به، الناتجة عن منهجيات التربية وعلاقته بمحيطه، وتجارب حياتية سلبية، على سبيل المثال توبيخه من قبل الآخرين ومنهم الوالدين في الاسرة، والمدرسين في المدرسة وافراد المجتمع، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في القدرة على اتخاذ قرارات ناجحة، وتجنب التعامل مع التحديات ومعالجتها، ولاحقا بعد الزواج، يميل لتبرير فشله على علاقته بشريكه والظروف الاخرى. الشخص الضحية يحاول جذب انتباه الآخرين، والتأكد من تعاطفهم معه عبر الشكاوى المستمرة وتبريراته لاحساسه بالظلم التي يقع عليه.
هذا النمط السلوكي الناتج غالبا عن تجارب سلبية في الصغر، والذي يؤدي الى إختيار الشخص الهروب من المسؤولية ويحمل الآخرين مسؤولية فشله. ليس كل الأشخاص قادرين على التعامل مع الصعوبات والاثر النفسي بنفس الفعالية، فالألم العاطفي قد يسيطرعلى بعضهم، مما يجعلهم يشعرون بالعجز الكامل في حياتهم والذي يسمى "بمتلازمة الضحية"، فيصبح من يعاني منها ضحية نفسه قبل أن يصبح ضحية الآخرين. تعزى أسباب العيش في دور الضحية إلى عوامل مختلفة مثل خيانة الثقة، وخاصة المتكررة التي تخلق شعورًا بالضحية، والاعتماد الذي يتطور مع الشخصية الاعتمادية (يعتبر الزواج بمثابة مصدر رئيسي لتلبية الاحتياج العاطفي والأمان الشخصي) ويؤدي إلى الاتسام بعقلية الاستياء والإحباط الناتجة عن تضحية الفرد الاعتمادي بطموحاته لإرضاء شريكه في العلاقة الزوجية.
ومن اهم علامات الشخص المتقمص لشخصية الضحية أيضاً، يشعرك دائمًا بأنه يضحي من أجل الآخرين الذين يؤذونه بشكل دائم. لومه المستمر للاخرين وعدم تحمله مسؤولية مشكلاته ونتائج قراراته في حالة تم اتخاذها، حيث يتهرب من اتخاذ القرارات وخاصة الحاسمة والهامة. سلبي ومتشائم ويبحث عن عيوب في اي حل يتم اقتراحه من قبل الشريك، ليس متسامحا ويحمل الاحقاد في نفسه ولا يتخطى ذلك بسهولة، لا يستطيع الحفاظ على صداقات طويله، وهو كثير النقد بحجة الصراحة، غير صادق في التعبير عن مشاعره ويهول الامور. ان تقمص مثل هذه العقلية في العلاقات الزوجية، تتسبب بتأثير سلبي على أُطرالعلاقة الزوجية واستمرارية الاسرة وعلى سلوكيات اجيال المستقبل.
ومن أهم المشكلات التي قد نواجهها عندما نتعامل مع الشخص الذي يعيش دور الضحية، هو أننا سنكون متهمين أمامه دائمًا بأننا المسئولون عن ما يوجهه من صعوبات في الحياة، وخاصة إذا كانا زوجين مسئولان معًا عن نفس الموقف لكن اللوم كله سيقع على الطرف الاخر، لان من يتقمص دور الضحة، لا يعترف أبدًا بمسئوليته حيال اية قضية في الاسرة، وعند تطورالحالة لتصبح مرضية تحتاج الى تدخل مختص في هذا المجال. ومن أفضل الطرق التي يمكن أن تتعامل بها مع هذا الشخص، توضيح قيود التعامل والمسؤوليات، والتي ومن الأهمية بمكان، فهم دور كل طرف في العلاقة، والعمل المشترك على تعزيز التواصل وبناء علاقة زوجية صحية مستدامة.
إن الشعور المستمر بالظلم من قبل احدى الشريكين في الاسرة، واستمرارية لوم الطرف الاخر عن ما يحدث، يمكن أن ينتج عنه تراكم مشاعر الاستياء والغضب عند الطرفين، مما يشكل تهديدًا لاستقرار العلاقة الزوجية. ان فقدان الثقة بين الازواج يُصعّب التعبيرعن المشاعر والاحتياجات وتلبيتها، في حين يمكن أن يؤدي الشعور بالظلم إلى التباعد العاطفي بين الشريكين، مما يزيد من احتمالية الانفصال العاطفي، وفي بعض الحالات قد يؤدي إلى الطلاق، خاصة إذا لم يُعالج هذا السيناريو بشكل فعّال. من الضروري تعزيز التوازن والتفاهم المتبادل، وتشجيع كل طرف على التعبير عن مشاعره بصراحة. إن إدراك أهمية الشراكة والتعاون وتجنب ثقافة اللوم، يسهم في تعزيز الثقة وتقوية روابط العلاقة، ولا يوجد ضرر او ما يمنع من مراجعة طبيب مختص ان لزم الامر.