وا عبدالله .. الناصر والمنصور
رومان حداد
27-02-2024 12:17 PM
حين كنا صغاراً على مقاعد الدراسة في المدرسة، تعلمنا بحصة اللغة العربية قصيدة أبي تمام الشهيرة (فتح عموريّة)، هذه القصيدة التي مدح فيها أبو تمام المعتصم بالله، لاستجابته لنداء امرأة صرخت مستنجدة به، وقالت صرختها الشهيرة (وا معتصماه).
حينها كتب أبو تمام:
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
متونهن جلاء الشك والرِيَب
ومنذ ذلك الوقت كنت أتساءل، كيف لقائد أن يحرك جيشاً لنصرة مظلوم ومحتاج وملهوف، وظلت في ذاكرتي تلك الواقعة كقصة خيالية، لا تتحقق بالواقع، ورغم ذلك حفظت القصيدة عن ظهر قلب، وكنت وما زلت أحب المعتصم بالله.
قبل أيام ناشد فلسطينيون غزيون الملك عبدالله الثاني بإرسال الطعام لأهالي القطاع، الذين يعانون من أبشع حرب إبادة في التاريخ، يعيشون الموت والجوع، ناشدوا الأردن والملك عبدالله الثاني دون غيره من العرب، فلم يكن عبدالله الثاني إلا ذلك الملك الذي استجاب لنداء أبنائه العرب، وكانت صرخة (وا عبدالله) الغزية تُسمع في الحسينية، القصر الذي بني عزة للعرب، وكان عبدالله الثاني، مليك العرب، هو المستجيب لصرخة النداء وطلب الإغاثة.
أمس، حلقت طائرات سلاح جو الجيش العربي الهاشمي حاملة إغاثة الأردن لأهل غزة، أربع طائرات تحمل الطعام، لتقوم بإنزالها على مختلف مناطق القطاع، ليكون عبدالله الثاني جواباً للنداء دون تأخر أو تردد، قائد لا يترك محتاجاً إلا ويلبي سؤاله، ولا يترك ملهوفاً إلا ويغيثه، فهو ناصرهم، ملك سيد، ومنصور من ربه الذي طهر آل البيت.
هي غزة هاشم، فيها قبر جده الأكبر (هاشم بن عبد مناف)، هو الذي أعطى الهاشميين سهم الرفادة والسقاية في مكة، حين كان عرب قريش يقتسمون الأدوار فيها بينهم، فكانت كل قبيلة تبحث عن سهم يدر عليها المال، إلا آل هاشم، أخذوا سهم الرفادة والسقاية الذي يطلب من صاحبه أن يدفع مالاً، فكانت بيوتهم مأوى لإطعام الناس الذين يزورون مكة للحج.
ما يقوم به الأردن من دور فاعل ومؤثر لا يقتصر على نصرة الفلسطينيين في المحافل الدولية، ولا يكتفي الأردن بالكلام، مهما ارتفع سقفه، بل يقوم بفعل لم يضاره فيه أحد، ولا حِمْل لأحد أن يقوم بدوره، ليس مباهاة أو بحثاً عن مدح أو إسكات منتقد أو معارض، بل تأكيداً لإرث هاشمي مديد، فعل صادق لا ريب فيه.
سيدي عبدالله الثاني اسمح لي أن أُقَبّل قلبك الذي ما نبض يوماً إلا إنسانية وحباً للعروبة، ودعني أُقَبّل جبينك الوضاء الذي ظل بهياً لا يلامس الأرض إلا سجدة شكر لله، أُقَبّل عينيك اللتين لم تحيدا عن رؤية الحق، في حدقتيهما الأردن الوطن والفكرة والمعنى، وفلسطين القضية وإنسانها.
يا عبدالله الثاني يا ناصر الملهوف والسائل والمحتاج، والمنصور بربك الذي وهبك المُلك لأنك تستحقه، ولأنه بيديك يريد أن ينصر قومك.
يا عبدالله الثاني.. يا من تجعلني أفتخر أني من رعيتك، يا من لم تحوجنا يوماً للسؤال، ولم توردنا لحظة إلى تهلكة، ناصر ومنصور دوماً بعون الله، يا من لم تجعلنا نمد أيادينا إلا لمساعدة شقيق أو أخ، هذا الأردن كما حفظته لنا، وطناً نفاخر به الدنيا، وستبقى هاماتنا عالية لا تنحي إلا لرب العباد.
الرأي