منذ بداية حرب غزة تواجه الاردن ما لم تواجهه أي دولة أخرى ، منصات تفرّغت لشحن الشارع ، أبواق و أشخاص وظّفوا امكانياتهم للتجييش ضد أرض العزم ، و بينما تناسى كُثر من صدعوا الرؤوس بطريق القدس ، أو الخلافة التي لا تكتمل إلّا بالاقصى ، أثبت الأردن الذي لا يملّ التجربة و المحاولة أنه الاقرب و الاوفى و الاشجع...
الأهل في غزة محاصرون ، جائعون ، و في أمس الحاجة للعون و المساعدة ، فلا وقت الآن للالتفات لحملات التخوين و التشتيت ، لسان حال وطن يهبّ لدعم جارة تنزف ، و بانزال أشبه بالهدية من السماء لمن هم بأمس الحاجة لها ، نجحت عمّان برجالها بدعم سريع للأهل في القطاع ، انزال مغلّف بطبقات من الحماية لتقيه تلف الهبوط و مياه البحر ، محمّل أيضا برسائل طلاب فيها من المشاعر ما يبني قصورا من العاطفة.
و في الحقيقة بات من شبه المؤكد أن الحرب أفزرت تكتلات سياسية ، هذه التكتلات أفرزت أناسا بعيدين كل البُعد عن المنطق و الحيادية و الموضوعية ، و في المحصلة لكل شخص الحرية المطلقة في التعبير و انتقاء الصفوف ، لكن من غير المنطقي أن يصاب الانسان بالعمى أو الساد عند رؤية من يؤيدهم في مواضع غير تلك التقليدية ، أما لمن يخالفهم فيركض مسرعا نحو تعظيم تفاصيل بالكاد حدثت أو مصادرها مبهمة و غير واضحة.
الفيديوهات التي تجتاح المنصات المختلفة و خصوصا منصة "اكس" بعد الانزال الاخير تثلج الصدر ، فكما قال جلالة قائدنا ، فهذا واجب الشقيق تجاه شقيقه ، فالأردن منذ بداية الحرب لم تمل التجربة ، و لم تترك مسامعها تستسلم أثر الاصغاء لمن يشكك دائما.
كثير من الدول باتت تتعامل بتقليدية مع هذه الحرب ، و لكل دولة حقها الكامل في اختيار النهج ، لكن بلا رفع مشانق للأخرى ، فنحن في الأردن لم نخرج لنقول أن طريق القدس تمر ّ من عمّان ، ليس استسلاما فنحن من الطلائع الذين قدّموا أرواحا فداءا للأرض ، بل حكمة و رشدا و قدرة على التفكير.
فكل الشعب الأردني يتمنّى أن يشارك ما يستطيع مع أبناء القطاع ، فلو مرّت قافلة بين البيوت و الشوارع لانهارت اثر الوزن و التدافع ، و ضحكة واحدة لطفل فلسطيني في النهاية تكفي ، فهيّا يا من تنصبون الكمائن ، اذهبوا و جرّبوا حظّكم ، طيروا عوضا عن الطيران في الوهم و حاول دعم أولئك الابطال .
فالأردن إن لم تتدخل قالوا قد خانت ، و إن تدخلت قالوا خذلت ، و إن حاربت قالوا هُزمت ، و إن لم تحارب قالوا خسرت ، و إن ساعدت قالوا خانت و إن لم تفعل قالوا ندمت ، و حتى و إن فرشت الأردن أرض غزة بالذهب لقالوا تساعد العدو في معدن موصل للكهرباء ، هذه هي الأردن...الأكبر من الجميع.