facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




ما بعد أكتوبر


فيصل سلايطة
26-02-2024 11:10 AM

عندما استيقظ الشارع العربيّ والعالميّ في أكتوبر الماضي على هذا الاختراق والعبور المدهش، ظنّ البعض بأنّ تلك الخطوة ستنتهي في وقت قصير إمّا بتحرير واسع ومفاوضات مُجدية أو بنصر عسكري ساحق، أمّا البعض الآخر فيدلّل بأنّ على قدر الضربة العميقة التي حققتها حماس في العُمق النفسي العسكري الاقتصادي الاجتماعي في إسرائيل تطول الحرب وتتشعّب تفاصيلها وتفرّخ قضايا هنا وتوتّرات هناك.

لكن كيف ستنتهي هذه الصفحة الدامية؟ وما هي السيناريوهات التي بيد الكيان من جهة والمقاومة من جهة أخرى؟ و هل حتى إسرائيل نفسها لا تعرف كيف تقلب هذه الصفحة؟.

لو فرضنا جدلا بالرغم من استحالة هذه الخطوة على أرض الواقع، أنّ إسرائيل استطاعت اجتثاث حماس والقضاء عليها، فهل تنتهي الحرب هكذا؟ وما هي الخطوة اللاحقة؟ هل سيُسمح لمن هُجّر ورُحِّلَ من بيته وأرضه من بقي على قيد الحياة بعد هذه الحرب الطاحنة، أن يعود إليها بشكل طبيعي ؟ ليبدأ رحلة صعبة و حساسة من الاعمار و البحث عن التمويل؟

بالتأكيد لا. وأكاد أن أجزم بأنّ إسرائيل حتى لو حققت مرادها غدا , ستقتطع من غزة مساحة ضخمة , على الأقل الجزء الشمالي وجزءا كبيرا من الوسط إن لم يكن كلّه، فمن الواضح بأنّها تريد " حشر " السكان بكل ما استطاعت في مساحة محسوبة مُحكمة السيطرة , قد تسمح لبعض المنظمات الدولية أو العربية بالحركة بها و تنظيم الحياة فيها، أمّا ما اقتطعته فستعمد إلى جعله منطقة يعصب على أي غزيّ الدخول والعبور نحوها، فسياسية الدفع هذه ستريحها على المدى البعيد .

جغرافية غزة التي تأتي في الجزء الاخير من الحدود البحرية و البرية و التي ترسم خطّا مستقيما موازيا من ايلات شرقا إلى البحر المتوسط غربا كانت لعقود سببا لاسالة اللعاب و النهم الإسرائيلي نحوها , فغزة تشبه محافظة السويس بحساسية الموقع , فالمخطط الاسرائيلي لربط ايلات بالجنوب الإسرائيلي لخلق ممر مائي هو الثاني في المتوسط بعد السويس , يصطدم بالحائط الغزيّ , فأي سفينة هذه التي ستعبر تحت التهديد الحمساوي من صاروخ أو قنبلة , لذلك لعبت جغرافية غزة على مدار عقود دورا كبيرا في خلق أرق سياسي للكيان الذي بات ينتظر الفرصة الذي ينقض بها عليها .

و هنا يتجلّى رأي البعض المخالف لحركة حماس , أولئك الذين يرون بأنّ غزة قد قُدمت على طبق من ذهب لاسرائيل , تلك التي عمدت بشكل واسع لتعظيم خسائر السابع من اكتوبر لتضع العالم أمام فكرة الرضوخ لكل ما ستقوم به , فهل حماس فكرة شعبية داخل القطاع أو انتساب منفصل ؟

بالتأكيد حماس هي تنظيم منظّم بمهارة وفق ما يستطيع من امكانيات و موارد , لكنهم في النهاية الفكرة الشرعية لأي فلسطيني يريد أن يقاوم , فقد تختلف الاسماء و التوجهات و الاولوليات لكن الفكرة الاساسية النقية بمقاومة المحتل تجمع أي فلسطيني تحت مظلة حماس أو غيرها , حتى من خلال حمل كومة من الحصى و رجم الجنود المستبيحين لساحات القدس بها .

اختلاف البعض مع حماس , مع ميلها أكثر نحو الحضن الايراني , و الذي تبرره هي بأنّ ايران تدعم بلا حدود , لا يبرّر أبدا حالة التوحّد الذي تعيشه , فالمقاومة التي ظنّ الشعب العربي بأنّها تعبر من غزة للبنان و ايران و تركيا , تعيش اليوم عزلة غريبة أو خذلان اقليمي لم يرسم حتى في الخيال , أمّا بعض العرب الذين يرون بأنّ المقاومة الحقيقية في هذا الزمن هي في الدبلوماسية الخالصة , فالسلاح الذي يُصنع في ورشات الحدادة لا يمكنه أبدا أن يحرّر حتى و إنْ خرّب و أوجع , نظرتهم العقلانية المنطقية التي تحسب النتائج قبل أيّ تحركّ هي في نظر البعض الآخر خذلان , بيد أنّنا كعرب لا زلنا لا نجيد فنّ دراسة الجدوى الذي يحتّم علينا اجراء محاكاة و لو تخيّلية لما نقوم و سنقوم به .
إذن ماذا ينتظر أولئك المتعبون في غزة ؟ و ماذا يحمل المستقبل لهم ؟

من الواضح بأنّ نتنياهو لا يريد أن يضع نهاية سريعة لهذه الحرب , فالنهاية بالنسبة له كشف للغطاء السياسيّ و تعرية لقرارات قد تضعه خلف القضبان , أمّا الشارع الاسرائيلي فبات يغلي يوما بعد يوم أكثر و أكثر , فلا عجب أن نستفيق ذات يوم على ثورة اسرائيلية يواجهها الاحتلال بكل عنف , عنف يبرّره بالمصلحة الكبرى للدولة العبرية , فقضية الاسرى باتت هلوسات في عقل صانع القرار الاسرائيلي الذي يتمنى أن تعلن حماس وفاة جميعهم , عندها ستقمع يوم و ترتاح مئة .

أمّا على أرض الواقع فاسرائيل تريد اذاقة ابناء القطاع ويلات ما حصل في السابع من اكتوبر , فبالنسبة لها الجميع متورط , من أصغر طفل في القطاع إلى اكبر شجرة , هذا العقاب الجماعي الإسرائيلي الذي يتنافى مع كل المبادىء و الاعراف والقوانين الدولية يضع الدولة اليهودية في مأزق دبلوماسي كل يوم , فهمها حاولت اسرائيل التعتيم داخليا و خارجيا , الشعوب والدول باتت تنظر للكيان بعين النبذ و الاشمئزاز , حتى في العمق الاسرائيلي نجد بأنّ النظرة هي ذاتها مع بعض الاستغراب من ردة فعل مسعورة لا تكافئ الفعل!

سياسة التجويع و التشريد التي تعتمدها اسرائيل تهدف إلى محاصرة الشعب في غزة من كل الاتجاهات , لتدفع البعض نحو الهجرة من جهة , و من جهة اخرى تضعهم أمام الاعتقال أو التخابر , في الوقت الذي تشهد بعض المناطق في غزّة مجاعات حد الهلاك , لم ينقلها الاعلام , فلو فُتح المجال أمامْ العدسات لنقل الصورة كما هي بالتأكيد سنشاهد فظائع لم تنقل ... لذلك نتمنى كل يوم أن تنتهي هذه الحرب الطاحنة ...ففي غزة أرواح تستحق الحياة , و ما بعد اكتوبر يجب أن يعود إلى ما قبله ...انسانيّا على أقل تقدير.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :