الاقتصاد بين الصمود والتحفيز
عبد المنعم عاكف الزعبي
26-02-2024 10:38 AM
استمع الأردنيون إلى حديث رئيس الوزراء وتقييمه للوضع الاقتصادي يوم أمس. وقد بدا مريحا للمراقبين والمختصين وجود مؤشرات أداء اقتصادية يتم متابعتها بشكل دوري وشفاف، مع تفسيرات واضحة للنتائج وتوقعات موضوعية للمسار المستقبلي.
المريح أيضا في حديث الرئيس أنه لم يتضمن مبالغات في التوقعات ولا في تقييم الوضع الحالي. وقد بدا واضحا أنه لم يتم القفز عن التراجع في بعض المؤشرات، ولا تسليط الضوء على مؤشرات دون غيرها لتلميع الإنجاز على حساب الشفافية في طرح التحديات.
فالرئيس تحدث عن إنجازات السياحة قبل أكتوبر 2023 والتحديات بعدها، وتحدث عن الاحتياطيات الأجنبية القياسية البالغة 18 مليار دولار، ولم يتجاهل معدلات النمو المنخفضة عند مستوى 2.6% وما يرافقها من تحديات البطالة والفقر.
التحدي الرئيسي الذي يواجه الخطاب الاقتصادي الرسمي في الأردن أن التعبير عن الإنجاز يتم من خلال الأرقام الاقتصادية ومعايير الاستقرار المالي والنقدي، بينما التحديات يعيشها المواطن بحذافيرها يوميا. هذه المشكلة، يتم مواجهتها في كثير من الأحيان من خلال عقد المقارنات مع الدول المجاورة الأسوأ حالا من الأردن.
هذه المقارنة عادلة ومحقة، ولكنها تقابل في كثير من الأوقات بعلامات استفهام عن سبب المقارنة بالأسوأ بدلا من الأفضل، إلى جانب انتقاد عدم تحقيق خطط التحفيز الاقتصادي نتائجها المرجوة.
هنا مربط الفرس، وهنا يكون الحديث شفافا عند الاعتراف بأن الهدف الحقيقي والأول للحكومات الأردنية عبر أكثر من عقد من الزمان هو الصمود الاقتصادي وتأمين هامش الحماية الكافي لمواجهة تحديات مستقبلية استثنائية على المستوى الجيوسياسي والاقتصادي.
وعند المفاضلة بين الصمود والتحفيز الاقتصادي، كانت دائما الأولوية للصمود، وهو ما ثبتت رجاحته كخيار استراتيجي للأردن إبان الأزمة الأخيرة في المنطقة، وغيرها من التقلبات السياسية والاقتصادية الحادة التي واجهناها منذ الربيع العربي، مرورا بأزمة الغاز المصري، ومن ثم كورونا، ومن ثم الحرب الأخيرة في غزة.
ولكن خيار الصمود على مستوى الفرد أو الأسرة أو المؤسسة أو الدولة لا يتحقق دون تكلفة يتم دفعها على حساب أهداف رئيسية أخرى مثل التحفيز والنمو.
والقاعدة الاقتصادية البسيطة تقول بأن العوائد المجزية، بما في ذلك النمو، لا تتحقق دون أخذ المخاطر، وهذه الأخيرة لا يمكن المجازفة بتبنيها إذا كانت الأولوية الفعلية هي الصمود وبناء الاحتياطيات وهوامش التحوط من التقلبات المستقبلية.
فبينما يحتاج الصمود إلى ترشيد الإنفاق وبناء الاحتياطيات وزيادة مصادر الإيرادات، يحتاج التحفيز إلى التوسع في الإنفاق وتخفيض الفوائد والاستدانة لبناء المشاريع الحكومية بمختلف أشكالها.
الهدفان ببساطة لا يلتقيان إلا في مساحات ضيقة، وقد أحسنت الدولة الأردنية صنعا عندما اختارت الصمود على حساب التحفيز، ولو أنها لا تستطيع قول ذلك مباشرة، لما قد يبدوا كأنه تنصل من واجبات الحكومة في التشغيل وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.
لقد حققنا هدفنا الاقتصادي الاستراتيجي حتى الآن من خلال الصمود وعبور مختلف الأزمات بسلام، بما فيها الأزمة الحالية، والتي سنتجاوزها كما تجاوزنا ما سبقها.
أما التحفيز الحقيقي فيبقى مشروطا إما بانفراج الوضع الجيوسياسي أو بتطورات خارجية مواتية خارج حسابات السوق المحلي.
وبغير ذلك يبقى الصمود سيد الموقف، ويبقى هامش التحرك لتحفيز الاقتصاد محدودا.
لا يرغب الكثيرون بتقبل هذه المعادلة كونها تحد من مسؤولية الحكومة عما وصل إليه الوضع الاقتصادي من تراجع خلال العقد الماضي.
تقبل الواقع ليس سهلا في كثير من الأحيان، وذلك ليس سيئا بالمطلق، إذ أنه يحفز التحليل النقدي، ويوفر الزخم للبحث عن فرص جديدة، والتعلم من الأخطاء، ومعالجة التحديات.