القضاة يكتب: الجامعة الأُردنيّة .. خطاب اكاديمي جديد ومبادرات طموحة
د. محمد القضاة
24-02-2024 12:44 PM
أحسنت الجامعة الأردنية في خلوتها الأكاديمية الأخيرة في العقبة في توصيف حالة التعليم العالي ومتطلباته العصرية، وقدم معالي رئيس الجامعة تسلسلاً تاريخيا للمراحل التي قطعتها الجامعة في تجديد الخطاب الاكاديمي حيث أكد على ضرورة تحقيق الخطة الاستراتيجية بمزيد من العمل والجهد العلمي المضني كي تسهم الجامعة في إعادة هيكلة التعليم الجامعي بما يتناسب مع التغيير المتسارع في شتى مناحي الحياة في العالم، وأشار إلى ضرورة أن تقود الجامعة هذا التغيير المطلوب، وقال: إن امامنا مسؤولية كبيرة لاجل تحقيق مستقبل مشرق واكثر قوة وفعالية ووضوح للتعليم العالي حيث اصبح التعليم اليوم هو الضمان الحقيقي والاهم في دفع مسيرة النمو والتطور للمجتمع، واثبتت الأحداث ان المصادر والموارد الطبيعية لا تنمو ولا تتطور دون تعليم جاد، يحفز التفكير الناقد، ويفضي إلى الابداع والابتكار، ويصل الى مخرجات حقيقية تستشرف آفاق المستقبل.
وتعي الجامعة الأردنية متطلبات الإستراتيجيات التعليمية التي تهدف إلى الحفاظ على نوعيةِ التعليم، وترسيخ بيئة تعليمية تضمن تأسيس مبادئ جوهرية في الحياة الجامعية من مثلِ: تكافؤِ الفرصِ التعليميةِ أمامَ طلبة الجامعة، وإدخالُ مفاهيمِ ضبطِ الجودةِ والنوعيةِ في مختلفِ مكوناتِ ومراحلِ نظامِ التعليمِ العالي، وتأكيدِ دورِ الجامعة في تشكيلِ الوعيِ، وتعزيزِ الهويةِ الوطنيةِ ورفدها بكل جديد، واستحداث مهارات لغوية وتقنية ورقمية وعملية تضع طلبة الجامعة في صلب الحياة العملية، والتوصل إلى إطارٍ مؤسسيٍّ واضح للبحثِ العلميِّ يكفلُ توفيرَ الدعمِ اللازمِ للمشاريع البحثية لتحسينِ مستويات البحثِ العلميِّ ومخرجاته.
ومن يقرأ اطروحات الخلوة ومبادراتها وتفاصيلها يدرك ما تطمح اليه الجامعة الأردنية من رغبة في التميز والتغيير والحاجة الى ضرورة ان تبدأ الجامعات برمتها في إعادة تجديد خطابها الأكاديمي بما يتناسب مع واقعها ومتطلبات العصر؛ خاصة ان الأكاديميا الأردنية مثالٌ حيٌّ لنهج علمي متزن نفخر ، ومنذ تخرج الفوج الاول بُعيد منتصف ستينيات القرن الماضي في الجامعة الأردنية لم تتوقف الجامعة الأردنية عن دورها، تعطي بلا هوادة، وتنشد الإبداع والتميز في كل مراحلها، ورغم التحديات الكثيرة ما زالت تنطلق لتجديد الخطاب الأكاديمي وتزرع عوامل النجاح والثقة في الجسد الأكاديمي وتعيد الاعتبار للأعراف الأكاديمية التي تثري الروح المعنوية والأكاديمية والهمة وروح المبادرة التي تحتاجها الأكاديميا برمتها.
وتجديد الخطاب الذي تؤكده الجامعة ينطلق من قمة الهرم لأصغر محطة فيها، والمبادرة جزء من هذا الخطاب التجديدي حيث تأتي لتعزيز مكانة الخريجين وأهمية إعدادهم اعداداً علميا بتسليحهم بمهارات حياتية في اللغتين العربية والانجليزية وأهميتهما للحياة، ومشروع وطني استراتيجي مستقبلي يُمكن الطلبة من تعزيز قدراتهم ومهاراتهم اللغوية في سوق العمل، فضلا عن دورها في تحسين نوعية الخريجين بين مجاييلهم في المجتمع لكي ينافسوا بقوة في جميع تخصصاتهم. وهي قفزة نوعية تصب في تنمية قدرات الطلبة ومخرجاتهم، والمبادرة مشروع رائد ومتكامل بُني على تحسس المشكلات الحقيقية التي تواجه الخريجين وسوق العمل والفرص المستقبلية المتاحة، واطروحاتها تهدف تجاوز المألوف والتحديات والصعوبات قبل آوانها، وتضع لها حلولًا علمية تعتمد فيها مهارات حياتية للوصول الى تغيير النظرة النمطية السائدة للخريجين وتعويض الضعف المهاري لدى الطلبة، كما تشكل في اطروحاتها فرصة ثمينة وجادة لرسم خارطة تعليمية جديدة لما فيها من أفكار وآراء وفعاليات تهدف في مجملها إلى مخرجات علمية جادة ومتميزة، ولا يقتصر الأمر على هذه المهارات اللغوية؛ وإنما يتعداها إلى مهارات تكنولوجية لمواكبة الثورة الرقمية التي اصبحت اساسية في معطيات الحياة؛ ومهارات عملية يحتاجها الخريجون في سوق العمل؛ اضافة إلى ما يحتاجه الطلبة من تنمية عملية وفنية لقدراتهم في مجالات الإدارة والحياة العملية.
واكدت خلوة العقبة على الاستمرار في تنفيذ مشاريع التطوير والتعيين والإيفاد حيث تقوم الجامعة بتطوير وتحديث البنية التحتية للجامعة وتتضمن تحديث المدرجات والقاعات التدريسية ومرافق الجامعة المختلفة، اضافة إلى تنفيذ الخطة الاكتوارية للتعيين والإيفاد حيث تجاوز عدد الموفدين في العامين الآخرين عن مئة موفد لافضل الجامعات العالمية، اضافة إلى تعيين اكثر من مئتي عضو هيئة تدريس في مختلف التخصصات.
والجامعة تستشرف آفاق المستقبل، والمستقبل لا يقبل التأخير؛ وإنما يحتاج الى المتميزين والمبدعين وهذا ما تؤكده المبادرة خاصة حين تركز على أهمية الابداع والتنافس المعرفي والجودة والمخرجات المنافسة، والفوز بهذه المعركة مقدمة أولية لكسب المعركة الحضارية التي تحدد مكانة أي جامعة بين الجامعات العالمية. واليوم بات واضحًا ان تلك التحديات والعقبات التي كان يتذرع بها البعض حان وقت تجاوزها، وهو ما تقوم به الجامعة.
وبعد، علينا ان نحمل هذه المبادرة إلى الجسم الاكاديمي لكي نعيد الروح والألق لمكانة الجامعة وعضو هيئة التدريس والطالب, علينا أن نرد الاعتبار إلى قاعات المحاضرات والى الحوارات الجادة، وأن نستوعب محيطنا لإعادة صياغة رؤيتنا ومفاهيمنا ودروسنا حتى لا نعود إلى الوراء؛ فعلى عاتقنا جميعا وكما اشار رئيس الجامعة تقع المسؤولية الاهم لانتشال الأجيال الشابة لتكون قوة عارمة تتسلح بالعلم والتفكير والقوة والتي ستكون فعلا العامل المهم في اعادة الكرامة للأمة.
واختم بما وجهه معالي رئيس الجامعة للمشاركين في الخلوة :"اتمنى ان تكون خلوة العقبة ايها الزملاء بداية قوية لجامعتنا التي تقودونها اليوم انتم ، نعم انتم…ادخلوا إلى غرف الدرس وتحدثوا مع طلبتكم وعلموهم كيف يفكرون، وكيف يحققون اهدافهم للوصول بهم إلى مستويات متقدمة بالمهارات الناعمة والمهارات التخصصية. ادفعوا أعضاء الهيئة التدريسية لكي يكونوا القوة المؤثرة في طلابتهم ولتتفجر القوة الكامنة فيهم، ليصنعوا مستقبلا مشرقا لهذه الامة، ولكي نحافظ على الاجيال القادمة وأطفال الامة ونقيهم شرور الاعداء."
ونرجو الله لجامعتنا الحبيبة التقدم والانجاز والإبداع، وإن كان من تحيّة فهي لهذا لفريق وعلى رأسه رئيس الجامعة على افكارهم الجادة والخلاقة، والتحية لكلّ مبدع يرسم لنا صور الحياة ونغماتها المبدعة.
mohamadq2002@yahoo.com