كيف يهدم المعبد (الجزء الاول)
نمر حسين الكسابره
24-02-2024 12:50 AM
ان اهم ما يميز الشعوب هو الثقافة والايدولوجيا والقيم الاخلاقية والتقاليد والدين قد تحدث عالم الاجتماع ابن خلدون في مقدمته الشهيرة في الفصل الثالث بعد الاربعون ان الظلم مؤذن بخراب العمران كان ابن خلدون يصف في هذا الفصل نمط سياسي وحالة تصل بالدولة الى الانهيار والخراب من خلال بعض الممارسات الخاطئة حتى يقوم رجالات الدولة بتجنب الوقوع بها وعلى اهمية ما حملت رسالة ابن خلدون من توعية ونصح لرجال الدولة اخط حروف هذا المقال لذات الغاية.
وحتى نفهم الموضوع لا بد من العودة بتاريخ قليلاً وبالتحديد الى القرن الخامس قبل الميلاد حيث كان هنالك فيلسوف صيني يدعى (سون وو تزو ) هذا الرجل صاحب المقالات الثلاثة عشر والتي جمعها في كتاب اسماه فن الحرب ستصنع افضل الاستراتيجيات السياسية وما ساسرده في هذا المقال يعتمد على الاطروحة التي وضعها حيث قال : ان من الغباء ان تفرض الدولة سياستها من خلال الحرب والقتال في ارض المعركة حيث تستنزف الدولة والحرب لها نتائج عكسية غير فاعلة على المدى البعيد ناهيك عن الهمجية والوحشية الناتجة عن هذا السلوك , ان اسوء اداة سياسية هي الحرب واعلى فنون الحرب عدم القتال , ان ما يجب فعله هو اضعاف دولة العدو وتخريب كل ما هو اساسي فيها حتى يأتي الوقت الذي يكون فيه العدو يعاني من تخبط شديد واعتلال كبير بحيث يصبح لا يرى فيك عدو بل يرى انه بالامكان ان يلجىء اليك بعدها يمكنك اسقاطه بكل سهولة .
هذه الكلمات التي كتبها سون تزو ستصنع احد افضل اسلحة القرن الواحد والعشرين والتي تعني احتلال دولة دون اطلاق رصاصة واحدة ولمعرفة ذلك لا بد من ان نتعرف على فن التدمير باستخدام علم السيكولوجيا والذي يرتكز على خمس مراحل اساسية وهي المنظومة الاخلاقية والاستقرار المعتل وصناعة الازمة وضبط الاستقرار والارتكاز العميق
المرحلة الاولى المنظومة الاخلاقية :
اي بمعنى تدمير الانسان وهذه المرحلة تتطلب مدة زمنية تتراوح ما بين العشرين الى الخمسة وعشرين عام على افضل تقدير تعنى هذه المرحلة برسم فكر جديد من خلال منهجية مدروسة لتشكيل الايدولوجية الفكرية والشخصية لدى الفرد وهي اهم مرحلة في حياته لاشباعه بالافكار الهادمة تبدا من عمر 6 سنوات وحتى 20 سنة يتم احداث التاثير الهادم في هذه المرحلة من خلال ثلاث ركائز اساسية وهي المرتكز الفكري والمرتكز التنظيمي والمرتكز الحياتي .
ففي المرتكز الفكري والذي يتضمن الدين والتعليم والثقافة والاعلام يحدث التاثير في الدين والمعتقد من خلال تسيس الدين وتميعه وتلاعب بنصوصه وتاويله على غير محل القصد وفي التعليم اعطاء الطلبة مواد دراسية بعيدة عن العلوم التجريدية والتساهل بملف التعليم وتعزيز التلقين الدراسي وفي الثقافة ابتكار اساليب لترفيه وصناعة بطولات وانجازات وهمية زائفة لا قيمة لها ونشر الثقافة الانحلالية وفي الاعلام التشويش على الحقائق وبث التساهل وعدم الانضباطية والتلاعب بالافكار من خلال تعزيز الفكر التشكيكي في الثوابت وطرح القضايا الثانوية وقت حدوث الازمات وتصدير قدوة ومثل اعلى للاقتداء به مع الحفاظ على تشويه شخصية المثل الأعلى السابق.
ستكون مخرجات المرتكز الفكري ما يلي :
انتشار الجهل وحالات الانتحار والهوس بالازياء والموسيقى وارتفاع عدد السفهاء وتحقير العلماء وانتشار الانحلال الفكري والعزوف عن القضايا الهادفة والانشغال بالسخافات وانتشار البلاهة مع سهولة الانقياد باستخدام الاعلام .
اما في المرتكز التنظيمي ( البنيوي ) والذي يتضمن القانون و القضاء والعلاقات الاجتماعية والامن والسياسات يحدث التأثير في القانون والقضاء من خلال سن القوانين والتشريعات الا اخلاقية او الظالمة وعدم النزاهة في تطبيق العدالة وفي العلاقات الاجتماعية الدفع للمطالبة بالحقوق مع الدفع بالتخلي عن الواجبات وفي الامن ترسيخ مفهوم العداء للاجهزة الضابطة للامن والاستقرار والنيل من صورتها الاعتبراية وتحطيم رمزيتها وفي السياسات تعزيز فقدان الثقة بين السلطة السياسية والفرد وتشويه الصورة الاعتبارية لرموز السياسية من خلال نشر الاشاعات و اشاعة الفساد وتعزيز السلوكيات السلبية كالمحاصصة والواسطات وبناء العلاقات والصداقات بين النخب الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني الخارجية .
ستكون مخرجات المرتكز التنظيمي ( البنيوي ) ما يلي :
سينتج عن هذا المرتكز احداث فجوة في المحور العامودي يولد فقدان الثقة بين الفرد والسلطة وستصبح استجابة الفرد مع القرارات والتصريحات والاحداث اكثر خمولا بحيث يؤدي الى عزوف الفرد عن العملية الديمقراطية وعلى هذا يترتب تصدير الشخوص الذين لا يتمتعون بالكفائة لادارة المشهد مما سيساهم في تعزيز فقدان الثقة و سينتج نوع جديد من المعارضة العدمية التي تريد المعارضة من اجل المعارضة كتعبير عن السخط دون تقديم حلول للازمات وزيادة التدخل من خلال مؤسسات المجتمع المدني الخارجية التي تتبع للقوى الاخرى من التغلغل في المشهد السياسي والاجتماعي بصورة اعمق وحدوث اضطرابات في الوضع الامني مع تراجع ملحوظ في البيئة الاستثمارية والسياحية و تحميل الدولة اعباء اقتصادية تدفعها الى الاستدانة وطلب المنح والهبات وسينتشر الترهل الاداري في مؤسسات الدولة مع احداث تراجع لدى الفرد في الولاء والانتماء وتقديم الواجبات .
اما في المرتكز ( الحياتي ) والذي يتضمن العائلة والمجتمع والصحة والعرقية والسكان والعمل يحدث التاثير في العائلة والمجتمع من خلال مؤسسات المجتمع المدني الخارجية التي تختص في شؤون المرأة والطفل تعمل على بث مفاهيم بطابع جديد تحمل مفاهيم متمردة على المفاهيم الموجودة سابقاً وفي الصحة اشاعة الامراض والترويج للعلاقات الا شرعية ونشر الممارسات الصحية الضارة وتقديم الغذاء السيء اما في العرقية نشر خطاب المظلمة و العمل على اثارة النعرات الاثنية او القومية او الدينية او الحزبية او الطائفية واما في السكان دفع السكان الى الانتقال من الحياة القروية الى الحياة المدنية الاكثر حداثة واما في العمل تكريس فكر التوظيف وانشاء النقابات العمالية .
ستكون مخرجات المرتكز ( الحياتي ) ما يلي :
احداث شرخ في العائلة وزيادة حالات الطلاق والتشتت الأسري وارتفاع معدل عمالة الاطفال وانتشار الامراض النفسية وارتفاع معدل الجريمة مع انتشار العلاقات غير الشرعية وانتشار الامراض الصحية المزمنة التي سترهق الفرد وتشكل عليه عبء مالي وستبدأ نعرات التعصب وارتفاع خطاب الكراهية وظهور الانقسامات المجتمعية مع انعزال الفرد بشكل جزئي عن المحيط الاجتماعي العام وتقليل الانتاجية وزيادة الاستهلاك واحداث اضرابات جماعية تقوم باحداث شلل جزئي او كلي في قطاعات الدولة الحيوية مما يرهق خزينة الدولة ويضغط على العجلة الاقتصادية او الصحية او التعليمية وانتشار البطالة بسبب زيادة الطلب وقلة العرض على الوظائف .
ختاما عزيزي القارئ ان المعرفة سلاح ذو حدين وما ورد في هذا المقال من تعريف عن احد اخطر الاستراتيجيات المدمرة اضعها لتوعية وللمحافظة على الاوطان لان الوطن هو المعبد الكبير للانسان فعلى ترابه تنشئ دور العبادة ولاجل ترابه تسكب الدماء اكتفي في هذا المقال بسرد الجزء الاول وهو جزء المنظومة الاخلاقية اما ما تبقى من اجزاء سانشر عنها لاحقا وهي :
الاستقرار المعتل وصناعة الازمة وضبط الاستقرار والارتكاز العميق
دمتم بخير