"إسرائيل" وحرب إبادة المحتوى الفلسطيني
باسل النيرب
23-02-2024 12:58 PM
في فلسطين؛ وتحديداً قطاع غزة يتعرض الإنسان الفلسطيني للإبادة الممنهجة؛ وممن يتعرض للإبادة بصمت الجسم الإعلامي الفلسطيني لدوره في كشف جرائم الحرب الإسرائيلية وذلك ضمن إستراتيجية للتدمير والاجتثاث المهني، ومنذ تأسيس "إسرائيل" هناك خطة ممنهجة بأنساقها المختلفة "السياسية، الاقتصادية، البيئية، الاجتماعية، الصحية والإنسانية” لتدمير الإنسان الفلسطيني.
السلوك الإسرائيلي للقتل استراتيجية ممنهجة تستهدف جميع السكان في غزة، والعاملين في المجال الإعلامي ليسوا منفصلين عما تعيشه الفئات الاجتماعية في سياق الإبادة الجماعية التي تستهدف الوجود الفلسطيني، وقد استخدمت منظمة مراسلون بلا حدود عبارة "اجتثاث الصحافة في غزة"، لوصف أعمال القتل التي يتعرض لها الصحفيون الفلسطينيون بـ"آلة القمع الدموية التي تأتي على الأخضر واليابس في غزة".
وترى لجنة حماية الصحفيين أن "حالات الصحفيين القتلى"، خلال الحرب على غزة، أدت إلى ما تُسمِّيه نمط استهداف الصحفيين وعائلاتهم من قبل "الجيش الإسرائيلي"، وهو الوصف الذي أطلقته أيضًا رئيسة الاتحاد الدولي للصحفيين، دومينيك برادالي، "الاستهداف المتعمد" إثر اغتيال الصحفييْن، حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا.
وترى شبكة "آيفكس"، أن الصحفيين الفلسطينيين وعائلاتهم يواجهون ما تُسمِّيه "عملية قتل" تستهدف وجودهم، كما ورد في تقرير: "إفناء الصحافة في فلسطين، والرقابة على قمة عالمية للتغيرات المناخية". وتستخدم بعض الصحف ووكالات الإعلام مصطلحات وعبارات، مثل: "القتل الممنهج"، أو "القتل غير المسبوق"، أو "استئصال الصحفيين"، أو "استهداف الإعلام" و"تدمير البنية الرقمية في غزة"، وذلك لوصف عمليات الجيش الإسرائيلي التي تستهدف الجسم الإعلامي الفلسطيني.
"الإبادة الإعلامية" الحالية من قمع وسجن وقتل إعلاميين وأسرهم لا تركز على القتل لغايات القتل، ولا يستهدف الإعلاميين كأفراد فقط؛ وإنما إلحاق الأذى الجسدي والنفسي والروحي بالإعلامي وتدمير الشبكة الاجتماعية للجسم الإعلامي بكامله، وتدمير قوتها الرمزية والثقافية، وأساليب حياتها الاعتيادية ومؤسساتها.
و"الإبادة الإعلامية" وجه من وجوه "إبادة الجنس" أو "الإبادة الجماعية" التي يتوافر فيها قصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة اجتماعية كما تشير اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، وما يحدث في فلسطين وغزة تحديداً هو تدمير مقصود وممنهج للجسم الإعلامي كليًّا أو جزئيًّا عبر قتل أعضائه، وإلحاق الأذى الجسدي أو الروحي بأعضاء، وفرض تدابير وإجراءات تستهدف منع قيام الجماعة الإعلامية بنشاطها المهني، واستهداف أفراد أسرة الجماعة الإعلامية وأقربائهم، وإخضاع أفراد هذه الجماعة عمدًا لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كليًّا أو جزئيًّا، ومنعهم من التواصل المباشر مع الجماعات الإعلامية الأجنبية.
وحسب تقرير نقابة الصحفيين الفلسطينيين دمرت "إسرائيل" 73 مؤسسة صحفية وإعلامية، منها 21 إذاعة محلية، و3 أبراج، و15 وكالة أنباء محلية ودولية، و15 فضائية تليفزيونية، و6 صحف، و13 مؤسسة خدمات إعلامية وصحفية، وبلغ عدد الصحفيين الذين تم تصفيتهم 122 صحفياً.
الظهور الإعلامي الإسرائيلي
القتل ليس الأمر الوحيد الذي تقوم به "إسرائيل" بل هناك استراتيجيات يقوم بها الإعلام الإسرائيلي للظهور الإعلامي؛ وضمن السياق هناك شخصيتين لهما دور بارز في الحديث عن "إنسانية الجيش الإسرائيلي"، المزعومة وهما: "أفيخاي أدرعي" مقدم في الجيش الإسرائيلي ويشغل منصب رئيس قسم الإعلام العربي في وحدة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، و"الرائد إيلا" قائدة مكتب الاعلام العربي في قسم المتحدث باسم جيش الدفاع الاسرائيلي ونائب المتحدث للإعلام العربي،
ولهما نشاط مكثف في الإعلام التلفزيوني والإذاعي ومنشورات على إكس وفيسبوك للتعليق على الأحداث الجارية خلال الحرب على غزة مستخدمين تكتيكات دعائية متنوعة تهدف لتبرير الممارسات الإسرائيلية ومن أبرزها:
1. الإنكار والتبرير ونفي الوقوف خلف حوادث استهداف المدنيين في المدارس أو المستشفيات وما شابه.
2. إلقاء المسؤولية عن ذلك على المقاومة الفلسطينية بحجة أنها تتخذ من المدنيين دروعا بشرية أو تُخزن الأسلحة وتطلق الصواريخ من مناطق مدنية مأهولة.
3. عند عرض دلائل أكيدة يتم استخدام عبارة "الجيش الإسرائيلي" يحقق في الواقعة.
4. التأكيد أن "الجيش الإسرائيلي" لا يعادي الفلسطينيين إنما يعادي الإرهابيين.
5. التأكيد أن "الجيش الإسرائيلي" لا يخفي معلومات، ويعمل بشفافية".
6. عدم الحديث عن نوعية الأسلحة التي يستخدمها "الجيش الإسرائيلي" الالتفاف على السؤال.
7. التأكيد أن" الجيش الإسرائيلي" يتصرف على أساس القانون الدولي.
8. الهجوم على المقدم والاتهام بعدم الحيادية وتقديم معلومات غير دقيقة مع إضافات تتضمن تصحيح للمعلومات التي يقدمها المذيع.
9. الطلب من المذيع تقديم إثباتات على كلامه.
10. المطالبة بحق استكمال الحديث عند مقاطعة المذيع لخروجه عن السياق أو الهروب من الإجابة عن السؤال مع التأكيد أنه يقدم الحقائق ولكن لا يأخذ الوقت الكافي.
11. تبادل الأدوار وطرح أسئلة على المحاورين.
12. اللجوء لاستخدام أدلة من قنوات عربية للتأثير وتعزيزًا للمصداقية.
13. استخدام آيات من القرآن الكريم وحديث الشريف والأمثال العربية لبناء تواصل مع المشاهد.
14. ضبط النفس وعدم توجيه أي شتم أو إهانة ومخاطبة المذيع بشكل لائق.
15. رسم صورة إيجابية "إنسانية" عن "الجيش الإسرائيلي".
ملاحقة المحتوى الفلسطيني
وضمن المعركة الإعلامية تخوض "إسرائيل" والقوى الداعمة لها حربًا شرسة على المحتوى الفلسطيني بشبكات التواصل الاجتماعي لإخفاء الرواية الفلسطينية، وتظهر أرقام صادرة عن مراكز متخصصة ملايين خطابات التحريض والكراهية باللغة العبرية تحديدًا، وفي مقابل التشديد على المحتوى الفلسطيني وملاحقة وحذف وتقليص الوصول للحسابات الداعمة لفلسطين.
كما طور المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة)، نموذجًا لغويًا يقوم على تقنية الذكاء الاصطناعي لرصد انتشار خطابات الكراهية والعنف على منصات التواصل الاجتماعي باللغة العبرية ضد المناصرين للحقوق الفلسطينية؛ رصد النموذج مئات حالات تخفيض الوصول وإغلاقات حسابات بشكل مكثف وغير عادي، وبلاغات عن حذف صفحات باللغة الإنجليزية ومنها حساب الناشط الأمريكي "شون كينغ" الذي يتابعه أكثر من 6 ملايين متابع على إنستغرام، وحذف صفحات باللغات التركية والإسبانية والإندونيسية"، وبلغ مجموع الانتهاكات 4,747 انتهاكًا منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 16 يناير 2024، منها 1924 إزالة وتقييدًا لـ 2811 محتوى اعتبر ضارًا، و12 انتهاكًا يعكس تمييزا بين المنصات الرقمية.
ويراقب مركز صدى سوشال للحقوق الرقمية نشر "إسرائيليين" وداعمي "إسرائيل"، حول العالم، محتوى تحريضي يدعو إلى القتل والإبادة وحرق الأطفال، وتهجير الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، بلغات عبرية وأجنبية، وصادرة عن المستويات الإسرائيلية، والإعلامية، والشعبية الإسرائيلية. وتم رصد أكثر من 1400 مرة استخدمت فيها جملة "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها" كتبرير للإبادة الجماعية في قطاع غزة، ودعوة إلى استمرارها، وصولاً إلى دعوات وزير التراث الإسرائيلي "عميخاي إلياهو" بإيجاد "طرق أكثر إيلامًا من الموت للفلسطينيين"، بعد أن دعا في بداية الحرب إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة.
وختامًا عمليات القتل والإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان غزة جزء من عمليات "الجيش الإسرائيلي" للقتل المتعمد والممنهج والقائمة على تدمير المساكن والبيوت، والحرمان من العلاج والرعاية الصحية، والتعليم، ومن جميع مصادر الحياة (الغذاء والمياه) لإضعاف إرادته.
وقد وقَّع أكثر من مئتي إسرائيلي، بمن فيهم عضو الكنيست، عوفر كاسيف، عريضة لدعم دعوى جنوب إفريقيا، وجاء فيها أن "إسرائيل تتخذ بالفعل إجراءات منهجية ودقيقة للقضاء على سكان غزة وتجويعهم والتنكيل بهم وتهجيرهم، وتُنفِّذ سياسة محو خيارات العيش، مما يؤدي إلى قتل ممنهج لقطاعات كبيرة من السكان، وكبار الأكاديميين والكتَّاب والأطباء، والطاقم الطبي والصحفيين والمواطنين العاديين".
وفي مقال للمؤرخ والأكاديمي، إيلان بابيه، بعنوان "لهذا السبب أؤيد الفلسطينيين"؛ إذ يرى أن العنف الذي يتعرض له سكان قطاع غزة ليس ظاهرة جديدة، وإنما كان الوجه الدائم للصهيونية منذ قيام إسرائيل عام 1948، وهو ذات الموقف الذي تبنَّاه المؤرخ آفي شلايم؛ إذ يرى أن القوى الغربية أعطت إسرائيل أمرًا بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة.
أما المؤرخ الإسرائيلي وأستاذ دراسات المحرقة والإبادة الجماعية في جامعة براون بالولايات المتحدة الأميركية، عمر بارتوف، فيصف سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين بـ “التطهير العرقي"، ويعتبر الهجوم على غزة "شكلًا من أشكال الإبادة الجماعية".