الشارع العربي و الشارع الغربي
فيصل سلايطة
22-02-2024 11:02 PM
لعلّ من أبرز الافكار التي غيّرتها غزة منذ السابع من اكتوبر ، و التي ظننا أنّها تقليدية و حقيقيّة ، هي العاطفة لدى الشعوب الغربية ، فالسينما و هوليوود على مدار عقود رسمت في أذهاننا صورة نمطية عن المواطن الغربي ، ذلك الروتينيّ الذي يفضّل الملابس الفضفاضة العملية ، اللطيف و المنعزل ، و "الجاهل" سياسيّا...الذي لا يعرف ما يدور خارج حدود مدينته أو حتى بلده ، لكن ما نراه منذ أربعة أشهر هو على النقيض ، معاكس للصورة المطبوعة في أذهاننا ، ففي الوقت الذي تكاد فيه الشوارع العربية أن تستسلم ، و تخدّرت بالفعل من هول ما رأت من وراء الشاشات ، لا زال الشارع الغربي يغلي ، هذا الغليان الذي يعبّر عن رفض شعوب العالم لأن تكون هي المُموِّلة لحرب الابادة و التجويع.
"لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها " هذه الجملة السخيفة الجوفاء ، هي ما يقوله السياسيّ الغربيّ، ليرد عليه المواطن الاجنبي " بالعار" ، فكلمة العار هي وصمة ثقيلة كالطلاء الذي لا يزول ، و فعلا و بكل وضوح من يدعم حرب الابادة كمن يسنّ سكينا ممدودة على رقبة طفل و طفلة ابرياء ، و فلنفرض جدلا أن اسرائيل تريد أن تعاقب حماس على ثورتها ، ما دخل الاطفال؟ و هل هم قربان الحرب الواجب دفعها؟
مؤخرا استضافت منظمة " السينما من أجل السلام" الواقع مقرها في العاصمة الالمانية برلين، هيلاري كلينتون ، و في خضم حديثها ، أبدت هيلاري تعاطفا غير متزنا مع اسرائيل ، بينما على النقيض ابدت تجاهلا عما يحصل للبشر في غزة ...فما كان من الحضور إلّا أن ثار في وجهها ، فالقاعة هاجت لعدة مرات و في كلّ مرة يسحب صاحب الصوت الحقيقي المدافع عن الحق لخارج القاعة...فهذه هي الديموقراطية الغربية الرملية ، التي تبني قصورا من الانسانية هنا و تهدم مدنا فوق رؤوس ساكنيها بالخفاء هناك.
الشارع الغربي أثبت بكل وضوح أن الانسانية لا تعرف لغة ، ولا دين ، ولا جغرافيا ، و لا حدود...فقد لفظت عبر مواطنيها اسماء من ساهموا بشلال الدم الذي لا زال يجري ، هناك من يختلفون مع حماس بصفة عامّة ، لكنهم يضعون حياة الانسان فوق كل اعتبار ، على عكس الحكومات التي أفشلت أي قرار للحياة ، قرار لوقف القتل و التجويع.
فما ما بين الشارع العربي و الشارع الغربي نقطة ...تضيع بها الانسانية و ينسى بها الانسان.