صرخة عمورية (٩) .. قراءات في الانتصارات
د. نبيل الكوفحي
22-02-2024 05:21 PM
النفوس العظيمة لا تحتاج لمحفزات كبيرة لكي تتحرك، ولا أحداث جسام لكي تغير مسارها، ولا خسائر فادحة لكي تثأر. بل ان مس الدين واهانة الكرامة وخدش العرض كفيلة بأن تفجر طاقاتها.
وامعتصماه؛ كانت صرخة امرأة مسلمة حرة في سوق عمورية في بلاد الاناضول، امام علج رومي نقلت للخليفة المعتصم في بغداد، فجهز جيشا عرمرما دك به أسوار عمورية،
في رمضان سنة 223 هجرية، ففتحها وأتى بالعلج حتى أوقفه في ذلة أمام المرأة التي امنت بربها واعتزت بامتها، ووثقت بان صرختها سيستجاب لها.
كتب إليه ملك الروم يحذره ويهدده، فرد عليه المعتصم قائلاً: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فقد قرأت كتابك وسمعت نداءك والجواب ما ترى لا ما تسمع، (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار).
نعم لكلام غير الفعل، كما قال ابي تمام:
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ. في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ.
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في. مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ.
حتى كان فتحا عظيما وصفه ذات الشاعر:
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به. نظم من الشعر أو نثر من الخطب
في غزة؛ يذبح أهلنا امام اعيينا، وتهدم البيوت فوق رؤوس اطفالنا ونسائنا، يموت الناس جوعا وعطشا، ويتفجر الرجال قهرًا وكمدا، مجزرة تلو مجزرة، تعجز " الامة" ان تدخل لهم ماءا وطعاما ودواءا. لم نكن ان نتخيل هدا الخذلان وهذا التحالف في العدوان.
خرجت جماهير الامة في كل مكان ترفض العدوان وتناشد حكوماتها، وخرج الاحرار في كل مدن العالم يشجبون ويطالبون بوقف العدوان.
في الشهر الخامس من جريمة الابادة الجماعية لم يعد بامكانهم ان يراهنوا على احد، فليست النفوس بالعظيمة ، وليست الاقوال كالافعال. ليس هنالك المعتصم، ولا صلاح الدين، ولا اقل منهم.
هل عقرت الامة؟! ام سُلط عليهم ذلا لا ينزع عنهم كما جاء في الحديث الشريف!.
ان الله جعل غزة امتحانا للدول والحكومات والشعوب، وللحظة لا يبدوا ان احدا نجح في الامتحان، فلا المشكلة بالامكانات ولا القدرات، بل ان العجز مستحكم في النفوس والهمم، نخشى ان ينطبق علينا قوله تعالى ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ).
لا شك ان الكثيرين يحفظون ما قاله الشاعر عمر ابي ريشة في مقاربة مع فتح عمورية ، وهو لم يشهد ما يجري في غزة، فكيف لو شاهدها لربما قال ابلغ مما قاله على بلاغته:
رُبَّ وَا مُعْتَصِمَاهُ انْطَلَقَتْ .. مِلْءَ أَفْوَاهِ الصَّبَايَا اليُّتَّمِ
لامَسَتْ أَسْمَاعَهُمْ لَكِنَّهَـا .. لَمْ تُلامِسْ نَخْوَةَ المُعْتَصِمِ
والى قراءة اخيرة في الانتصارات ان شاء الله.