تفاصيل «اختراق» أردني لجبهة عواصم الحرب على غزة
حسين الرواشدة
21-02-2024 12:16 AM
كانت جولة صعبة ومعقدة، لكن الملك كان واثقا من قدرته على التأثير في مراكز صناعة القرار الدولي، وراء الكواليس دارت حوارات طويلة ومتنوعة، ومصارحات أيضا، معظم من التقاهم الملك في أهم خمس عواصم، شكلت خزانا عسكريا وسياسيا لدعم تل أبيب في حربها على غزة، اجمعوا على رفض نتنياهو وحكومته، صحيح ما زالوا يقفون إلى جانب إسرائيل ويبررون مبدأ «الدفاع عن النفس»، لكن ما يقال في الغرف المغلقة غير ما يقال في العلن، الملك لم يتحدث بمنطق السياسة فقط، وإنما بمنطق الضمير الإنساني العام، ورؤية الزعيم العقلاني المقنع، ولهذا وجد من يسمعه هناك، ومن يقدر خطابه أيضا.
حمل الأردن مشروعا بخطة واضحة ومتدرجة للتعامل مع الحرب، وصولا إلى إنهائها، أولا : عدم السماح لإسرائيل باجتياح رفح، لأن النتيجة ستكون كارثة على الجميع، ثانيا : إنضاج صفقة وقف الحرب عبر هدنة طويلة، تبدأ بتبادل الأسرى والمختطفين، ثالثا : فتح كافة المعابر لتدفق أكبر كميات من المعونات الإنسانية، رابعا: إنهاء التصعيد في الضفة الغربية ولجم المستوطنين، وفتح المسجد الأقصى للمصلين، خاصة في رمضان، خامسا: إطلاق مبادرة الحل السياسي الشامل، وفق جدول زمني محدد، وصولا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بالتوافق بين كافة الأطراف .
ما سمعه الطرف الأردني من ردود -حسب مصادر موثوقة- كان إيجابيا، ثمة رأي عام لدى اغلبية الفاعلين في العواصم الخمسة ضد استمرار الحرب أو توسعها، وضد التهجير تحت اي ذريعة، واتفاق عام على رفض تصفية الأونروا كملف إنساني وسياسي، مع وضع بعض الشروط لضمان استمرارها والإشراف على نشاطاتها المختلفة، ثمة قناعة أكدتها أطراف في العواصم الأوروبية بأن مصر لن تقبل تهجير أي مواطن من غزة إليها، الإجابة الوحيدة التي تلقوها من الرئيس السيسي تؤكد رفضه السماح بذلك .
أبلغ الأردن كافة الأطراف الفاعلة في البيت الأبيض والكونغرس، وعواصم أخرى، ان اي محاولة او خيار لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن مرفوضة تماما، كما ان قيام إسرائيل بأي عملية تهجير للفلسطينيين من الضفة الغربية (خط أحمر)، وسيتعامل معها بمنتهى الحزم، باعتبارها تهديدا للأمن الوطني الأردني.
الدور الأردني في هذه المرحلة أنجز استدارة مهمة وسريعة قد تُتوج قريبا جدا بقرار دولي لوقف مؤقت للحرب مؤقتا، كما أن هذا الدور سيكون مطلوبا ومحل احترام في المرحلة القادمة، نظرا لما يحظى به الأردن والملك من مصداقية وتأثير.
في هذا الإطار -حسب معلومات مؤكدة- فإن الإدارة الأمريكية، بمشاركة أطراف أوروبية، بدأت بإعداد تصورات للحل ما بعد الحرب على غزة في سياق اتفاق سلام شامل في المنطقة، واشنطن بعد 7 أكتوبر أصبحت مقتنعة تماما بضرورة إيجاد معادلة سياسية لإنهاء الصراع في فلسطين، وتم إبلاغ أطراف عربية محددة بذلك، حيث تم عقد اجتماعات متعددة في عواصم عربية، شارك فيها الأردن، لتقديم مبادرة عربية لحل القضية الفلسطينية، وستجري قريبا نقاشات حول تصورات ومقترحات هذا الحل بين الأطراف المشاركة في كلا المبادرتين الأمريكية الأوروبية من جهة والعربية من جهة أخرى.
على صعيد لم الشمل السياسي الفلسطيني، يشارك الأردن -حسب المعلومات - بلقاءات مع الفلسطينيين واطراف عربية أخرى للتوافق على حكومة تكنوقراط فلسطينية، أكثر من شخصية يجري التداول حولها، لكن لم يحسم، حتى الآن، المرشح لهذا الموقع، وفي تقديري أن حماس لن تشارك في هذه الحكومة، ولن تعارضها أيضا، باعتبار المرحلة القادمة مرحلة مؤقتة لإزالة آثار العدوان والإعمار، ثم تمهيد الطريق لتشكيل قيادة فلسطينية بمواصفات مختلفة.
ما قام به الملك، نيابة عن عالمنا العربي والإسلامي، في جولته التي شكلت اختراقا مهما لجبهة عواصم الحرب، وذلك لكسب الدعم والتأييد لمنطق وقف الحرب وإنهائها، واعادة القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام الدولي، وتجنيب المنطقة والعالم كوارث الحرب ونتائجها، يؤكد ما يحظى به الأردن من احترام في العالم، ومن قدرة على التأثير في مراكز القرار، كما أنه يصب في رصيد بلدنا، ويضمن مصالحه، ويندرج في سجل إنجازاتنا التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، ناهيك عن أنه يستحق اعتزاز الأردنيين ببلدهم وقيادته، فالأردن قال وفعل، وهزّ قناعات دول مؤثرة، في وقت انكفأ فيه البعض عن التدخل، أو عجزوا عن الحركة والمبادرة، أو آثروا الانتظار والسلامة.
الدستور