أمريكا ترفع حاجبها على العرب وعلى روسيا
د.حسام العتوم
20-02-2024 12:52 PM
المتابع للخطاب الأمريكي الممثل لواحدة من كبريات دول العالم، ومن أكثرها قوة على مستوى الاقتصاد و العسكرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية في الموضوعين العربي و الروسي ، يلاحظ ترديده للسردية الإسرائيلية الاحتلالية حول غزة و القضية الفلسطينية من جانب ، و اعتبار حماس ارهابية ، و بأنها من بدأت السابع من أكتوبر عام 2023 و تسببت بكارثة للإسرائيليين . وحول اسناد نظام زيلينسكي البنديري المتطرف في موضوع الحرب الأوكرانية تضليلا ، و التي هي أمريكية عبر بوابة " كييف " العاصمة بعد اصطحاب دول الغرب و اليابان خلفها ، و اعتبار روسيا محتلة لأوكرانيا ، و بأنه يتوجب مصادرة الوديعة الروسية المالية المليارية ، و تعويض أوكرانيا بسبب حربها عليها ، بينما الحقيقة يصعب تغطيتها بغربال .
وفي المقابل وبعد التأثير العربي على الخطاب الأمريكي و الغربي نفسه ، وهو الذي قاده و تصدره جلالة الملك عبد الله الثاني في جولاته المكوكية تجاه أمريكا و بريطانيا و كندا ، وهي الدول المؤثرة في القرار الإسرائيلي بدأنها نستمع لتلميحات أمريكية جديدة تطالب بعدم المساس بالمواطنين الفلسطينيين ، و بضرورة اظهار خطة مدروسة حول رفح ، و بالمطالبة بتجميد المستوطنات ، و بحل الدولتين ، و بضرورة قيام دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية ،وحراك غربي لامس الرأي العام وقلب صورة إسرائيل رأسا على عقب.
والخطاب الإسرائيلي الليكودي يعلو على مثيله الأمريكي في السياسة الخارجية وحتى الداخلية ذات العلاقة بالشأن الفلسطيني ، فما تردده تل – أبيب ، أو نتنياهو ، يردده جو بايدن ، و تكرره نائبته كاملا هاريس ، و وزير خارجيته أنتوني بلينكن ، وكأنهم كلهم تخرجوا من جامعة تل – أبيب للأبحاث و الدراسات ؟ . و حزب العمل الإسرائيلي ( ماباي ) ورغم تساويه مع الليكود في جذور التأسيس على أكتاف عصابات ( الهاغاناه و شتيرن و الأرغون ) الا أنه يجنح و قادته تجاه السلام ، ومن زعمائه شيمون بيريز و اسحاق رابين ،لكن مشاريعهما ذهبت الى سراب و في مهب الريح . ولم نعد نعرف من يقود من أمريكا -إسرائيل و العالم ، أم إسرائيل – أمريكا و العالم ؟ و عواصم الغرب ومعهم طوكيو يشكلون جوقة موسيقية إسرائيلية واحدة . والعرب خارج وحدتهم الحقيقية بعاصمة واحدة ، و علم واحد ، و جيش واحد ، و اقتصاد واحد ، وسياسة واحدة و مصالح واحدة ، .. حائرون .
لازالت الولايات المتحدة الأمريكية تتصرف على أنها حاكمة احادية القطب المسيطر على كافة أركان العالم بما فيها العرب و روسيا بطبيعة الحال ، ولا تعرف ، و ربما تعرف و تتجاهل بأن روسيا الاتحادية تمكنت ، و سوف تتمكن بالتدريج من سحب البساط من تحت كرسيها عبر تشكيل عالم متعدد الاقطاب يمثل شرق و جنوب العالم ،وهو القرارالمتخذ من قبلها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، و مع اندلاع العملية الروسية العسكرية الخاصة الإستباقية التحريرية الدفاعية عام 2022، ولارجعة عنه ، ولم يعد العالم الأول ، أو الغرب يمثل كل العالم ، وهي حقيقة . وخيرات و مصادر العالم الطبيعية الوفيرة تتوفر شرقا و جنوبا ، وكذلك الثقل الديمغرافي في الصين و الهند .
والغريب في المعادلة الأمريكية هو موقف اليابان غير المتفهم للعرب ، و لا للقضية الفلسطينية العادلة ، و المعادي لروسيا ، وكلنا نعرف بحادثة قصف أمريكا لليابان بالسلاح النووي في موقعتي " هيروشيما و ناكازاكي " و التسبب في قتل و تشوية أكثر من ثلاثين الفا منهم نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 . و مسألة سيطرة الاتحاد السوفيتي على جزر " الكوريل " اليابانية ، و التي أصبحت تحت السيادة الروسية بحكم الإرث السوفيتي ، وبعد اعتداء اليابان على الاتحاد السوفيتي نهاية الحرب الثانية نفسها ، الأصل أن تنتهي بتسليم اليابان بالأمر الواقع ، وهو الذي سيتكرر مع " كييف " حالة رغبتها بعقد سلام مع روسيا .
ما يسمعه العرب من الرئيس الأمريكي بايدن ، وهو الموقف السلبي من حماس ، حركة التحرر ، و الأيدولوجيا ، و التي يتهمها بالإرهاب ، يستطيعون سماع عكسه من الرئيس الروسي بوتين ، و هو الموقف الإيجابي الذي يعتبر فيه حماس حركة تحرر عربية إسلامية ، و ينادي بشجاعة بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية عبر حل الدولتين ، أي الى جانب إسرائيل ،وبادر عبر مجلس الأمن لوقف القتال في غزة ، ودعا لمفاوضات بين إسرائيل و حماس ، و ارسل مساعدات تموينية إنسانية لغزة عبر معبر رفح .
وما يجعل العرب يقتربون من أمريكا أكثر ، هي العلاقة الجيوبولوتيكية المتينة مع إسرائيل المرتكزة على مصالح استراتيجية مشتركة ، وفي المقابل الاستفادة الاقتصادية العربية من العلاقة مع أمريكا و على مستوى الدولار . و يقابل هذه المعادلة علاقات متشجنة بين موسكو و تل أبيب ، و انتقادات متبادلة حول الموقف من حماس تحديدا ، وهو الذي اثارته مؤخرا سفيرة إسرائيل في موسكو سيمونا هالبرين . وعلاقات تجارية جيدة و متميزة بين روسيا و الامارات و السعودية و الجزائر خاصة ، و لاتشكل العملة الروسية " الروبل " في المقابل تأثيرا وسط العرب كما الدولار الأمريكي أكيد .
تدور أمريكا حول نفسها ، وحول أوروبا و اليابان بهدف تعويض أوكرانيا – كييف في حربها مع روسيا ، و التي هي حرب غربية – أمريكية أيضا بالوكالة ، و تريد للتعويض أن يكون على حساب خزينة الدولة الروسية ، أو عبر تجميد وديعة روسيا في الغرب البالغة قدرها 300 مليار دولار ، ومن دون استشارة روسيا ، أو أخذ الأذن منها ، وهو الأمر الذي دفع بروسيا - بوتين لتحذير الغرب من هكذا خطوة غير مسؤولة و خطيرة بالدرجة الأولى على الغرب الذي ستواجهه روسيا بعقوبة اقتصادية صارمة قاسية ، منها تجميد أصول الشركات الغربية العاملة في روسيا .
والسلام في أوكرانيا و في غزة يمكن أن يتحقق بعد رفع أمريكا و الغرب يدهم عنهما . و القانون الدولي قادر على لجم إسرائيل داخل حدودها لعام 1948 ، وهاهي محكمة العدل الدولية تتحرك بهذا الاتجاه . و لا أحقية لإسرائيل بالدفاع عن نفسها و لا حتى بشن حرب على أصحاب الأرض و القضية العادلة مثل الفلسطينيين خاصة داخل حدود عام 1967 . وسياسة الإبادة البشرية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين مرفوضة و مدانة ، و سياسة التهجير القسري و الطوعي كذلك ، و هاهو الكاتب الأمريكي كريس هيدجل يكشف المستور بما تخطط له إسرائيل لتجويع و تشريد الفلسطينيين للإستحواذ بيهودية الدولة بعد تضييع وقت القضية الفلسطينية ،وهكذا كان الأمر منذ عام 1948 .
والمطلوب الان من مجلس الأمن أن يتحرك لوقف المجزرة الفلسطينية فورا بعد وصول من استشهد منهم في حرب غزة الى أكثر 29 الفا الى جانب منهم تحت الأنقاض ، و على العرب تفعيل دور جامعتهم العربية لتتصدر مشهد وضع حد للحرب الإسرائيلية المجنونة .و هاهو الجانب الفلسطيني المتضرر يطالب بوقف الحرب رغم حقه بالدفاع عن نفسه و عن قضيته العادلة.