العار: قيد أم دافع للتحول الاجتماعي؟
د. فاطمة النشاش
20-02-2024 08:38 AM
في عالم يتغير باستمرار، تظل قضية العار واحدة من أكثر المواضيع تأثيرًا على الفرد والمجتمع، إذ أنه لا يزال حاضرًا في حياتنا ويُؤثر على طريقة تفكيرنا وسلوكنا، فشعور العار هو مشاعر سلبية مؤلمة تنشأ عندما يشعر الفرد أنه قد خالف معايير المجتمع أو معاييره الذاتية، ويشعر بالفشل أو عدم الكفاءة، أو أنه لا يستحق الحب أو القبول أو الاحترام بسبب خطأ ارتكبه أو خاصية في شخصيته أو جسده، وجدير بالذكر أن العار يختلف عن الذنب، فالذنب يتعلق بالتقييم السلبي لسلوك معين، بينما العار يتعلق بالتقييم السلبي للذات بأكملها. ويمكن له أن يكون عاملًا مانعًا من التحول الاجتماعي والتطور، إذا أدى إلى تقليل ثقتنا بأنفسنا وتحجيم طموحاتنا وتقبلنا للوضع الراهن.
يتم ربط الشعور بالعار بالسلوكيات الاجتماعية والقيم الثقافية التي يتبناها الفرد أو المجتمع الذي ينتمي إليه، وقد يكون ناتجًا عن مخالفة تلك القيم أو السلوكيات المتوقعة في المجتمع، فعلى سبيل المثال، قد يشعر الفرد بالعار إذا خالف الدين أو العادات أو القوانين التي يؤمن بها، كما قد يشعر بالعار إذا تعرض للإهانة أو الاستغلال أو العنف من قبل الآخرين، أو إذا كان يعاني من مشكلة صحية أو نفسية أو جنسية أو اجتماعية تجعله يشعر بالنقص أو الضعف أو الانحراف. ويؤثر الشعور بالعار سلباً على صحة الفرد وسعادته وتطوره، فهو يقلل من الثقة بالنفس تقدير الذات، كما أنه يزيد من القلق والاكتئاب والعزلة والانسحاب الاجتماعي ويدفع الفرد إلى التعامل مع الذات بطريقة سلبية أو عدائية أو متطرفة.
ولكن، هل يُعد الشعور بالعار معيقًا للتحول الاجتماعي، أم يمكن أن يكون دافعًا للتغيير والتطور؟ عندما نتحدث عن الشعور بالعار، فإننا نشير الى شعور الإحراج أو الخجل الناتج عن الضغوط الاجتماعية التي تفرض علينا ما يجب أن نفعله وما لا يجب أن نفعله، ما هو مقبول وما هو مرفوض، وما هو مشرّف وما هو مخزي في المجتمع، وهذا الشعور قد يؤدي إلى تقييد حرية الفرد وتثبيطه عن القيام بالتحركات الاجتماعية والثقافية المبتكرة. ومع ذلك، يمكن أن يكون العار دافعًا للتحول، فكيف يمكننا تفسير هذا التناقض؟
على الرغم من أن العار قد يكون عائقًا للتحول الاجتماعي في بعض الأحيان، إلا أنه قد يعمل كمحفز للتغيير، فعندما نشعر بالعار بسبب تصرفاتنا أو مواقفنا، قد نجد في هذا الشعور فرصة للتطور والتقدم، ونحاول التغيير من الداخل، بتنمية مهاراتنا وقدراتنا وتصحيح أخطائنا والتعلم من تجاربنا، لنصبح أفضل مما كنا عليه، من هنا، يمكن أن يكون الشعور بالعار محركًا للتحول الاجتماعي الإيجابي. من جانب آخر، قد يدفع الشعور بالعار المجتمع نفسه إلى التغيير والتطور، إذ أننا عندما ندرك أن هناك سلوكيات تعمل على إثارته، سنبدأ في مراجعة تلك السلوكيات، وتغيير القواعد والمعايير الاجتماعية التي تحكمها، وتعديل القيم الاجتماعية المتعارف عليها، وهكذا، يمكن أن نسهم في تحقيق التحول الاجتماعي وتعزيز قيم العدالة والتسامح والتنوع في المجتمع.
لا شك أن العار يلعب دورًا هامًا في تشكيل سلوك الأفراد وتفاعلاتهم الاجتماعية، ومن المهم أن نعمل على فهم جذوره وتأثيراته، وكيفية التعامل معه بشكل صحيح وفعّال في المجتمعات المختلفة.