هل هناك مستقبل للأحزاب السياسية الناشئة في الأردن؟
أ.د تركي الفواز
19-02-2024 09:30 AM
في ظل التحولات السياسية والاجتماعية المستمرة في العالم، تشهد الساحة السياسية ظهورًا متزايدًا للأحزاب السياسية الناشئة، التي تعد جزءًا مهمًا من التنوع الديمقراطي، ويلعب تفاعلها مع التحديات والفرص دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل السياسة، إذا ما أرادت الأحزاب السياسية الناشئة المشاركة الفاعلة في العملية السياسية، فينبغي عليها أن تتغلّب على تحدّياتها المؤسّساتية، وتحسّن قدرتها على توفير ما يحتاج إليه المجتمع، فقد رأينا تكاثر للأحزاب السياسية الناشئة في مصر وليبيا وتونس، نتيجة انتهاز المواطنين في تلك الدول فرصة لتنظيم أنفسهم سياسيّاً، وجعل أصواتهم مسموعة في العملية الديمقراطية، فقد خاض في دولة مصر أكثر من 60 حزباً الانتخابات البرلمانية، بينما في دولة تونس تجاوز عدد الأحزاب 100 حزب، وفي ليبيا خاض ما يقارب 142 حزباً سياسيّاً ناشئاً الانتخابات التشريعية الأولى في ليبيا، ولكن هذه الأحزاب الناشئة عجزت عن تحقيق أي تأثير انتخابيّ في الانتخابات البرلمانية، وأعزي ذلك الى عدم قدرة تلك الأحزاب على إنشاء قواعد شعبية فاعلة، وعدم إقامة روابط اجتماعية مع الناس، فقد كان وجودها فقط على الورق، لأنها لم تقم بشيء لتثبت وجودها على الأرض.
ومع توسع المشهد السياسي في الأردن، تشهد البلد نموًا ملحوظًا في ظهور الأحزاب السياسية الناشئة التي تمثل تجسيدًا للطموحات السياسية للشباب وفئات المجتمع، ولكنها تواجه في الوقت ذاته تحديات كبيرة في مسعاها للتأثير والنجاح، وفي هذا المقال، سنلقي نظرة على مستقبل الأحزاب السياسية الناشئة في الأردن، مع التركيز على التحديات التي تواجهها والفرص التي تنتظرها، ومن هذه التحديات: ان الأحزاب الناشئة تجد نفسها في منافسة شرسة مع الأحزاب ذات الخبرة في الساحة السياسية، مما يجعل من الصعب عليها كسب دعم الناخبين، تواجه الأحزاب الناشئة صعوبات في تطوير استراتيجيات تواصل ملائمة، مما يؤثر على قدرتها على الوصول إلى الجمهور بشكل فعال ويتطلب ذلك استثمار الوقت والجهد في بناء قواعد الدعم وتطوير استراتيجيات الاتصال والتواصل مع الجمهور ، ايضاً الحصول على التمويل والموارد أحد أكبر التحديات التي تواجه الأحزاب السياسية الناشئة، بينما تمتلك الأحزاب التقليدية قواعد تمويلية قوية، فإن الأحزاب الجديدة تجد صعوبة في جذب التمويل والدعم اللازم لتنظيم حملاتها وتمويل برامجها، وتواجه الأحزاب الناشئة تحديات في تغيير الثقافة السياسية القائمة في المجتمع، قد يكون من الصعب لها كسب الثقة والدعم في بيئة سياسية مهيمنة من قبل الأحزاب التقليدية التي تتمتع بسنوات طويلة من الخبرة والتأثير على الجمهور.
ويمكن للأحزاب السياسية الناشئة ان تحول التحديات الى فرص من خلال: قيامها بتلبية احتياجات وتطلعات الناخبين من خلال تقديم برامج سياسية جديدة تحاكي ما يتطلع إليه الناخبون مما يمنحها فرصة لكسب دعم واسع منهم، كما يجب أن يكون برنامج الحزب متوافقًا مع ما يطلبه الناخبون وما يرونها من أهم القضايا، وأن يعمل على تقديم حلولٍ لهذه القضايا والتعبير عن رؤيته بشكل واضح. كما يمكنه استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل مبتكر للتواصل بفعالية مع الناخبين واستماع إلى مشاكلهم واقتراحاتهم، بما في ذلك حضور الاجتماعات والنقاشات العامة، الغاية من ذلك هو أحداث تغيير في تفضيلات الناخبين واستعدادهم لدعم الأحزاب الناشئة، ويمكن لهذه الأحزاب التأكيد على الشفافية ومكافحة الفساد كجزء من هويتها ونشاطها وأعمالها، والتمتع بسمعة نزيهة مما يمّكنها من جذب الناخبين. بالإضافة الى تركيز هذه الأحزاب على المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على نتائج الانتخابات، فيعمل على توجيه جهوده نحوها، بشكل عام فهم واحترام مطالب الناخبين والعمل على تلبيتها يلعب دورًا كبيرًا في نجاح الأحزاب الناشئة في الانتخابات وفي تعزيز الثقة بينها وبين الناخبين.
مما سبق يتطلب من الأحزاب الناشئة وضع برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية واضحة ومفصّلة عبر مشاورات شاملة مع الناخبين بدلاً من الاعتماد على اراء الخبراء، ويجب عليها التخلّي عن البرامج الإيديولوجية البالية وإيجاد طرق جديدة للتوصّل إلى حلول بشأن تحدّيات توفير فرص العمل، كما ينبغي لها إقامة روابط حقيقية مع المواطنين، والاستفادة من تجارب الأحزاب الإسلامية التي بنت قواعد انتخابية على مدى عقود من خلال توفير الخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها، يتوجب عليها أيضا توطيد العلاقة مع الأحزاب الأخرى والتأكيد على ان الأردن الخيمة الكبيرة التي تحتضن الجميع.
في النهاية، يمثل تحقيق النجاح في الانتخابات للأحزاب السياسية الناشئة تحدياً شاملاً يتطلب عدة عناصر، بما في ذلك وجود رؤية واضحة وبرنامج سياسي قوي يتضمن حلولاً للتحديات الرئيسية التي يواجها المواطنين، وبناء قاعدة داعمة من الناخبين من خلال التواصل المستمر والفعّال لتوضيح ونشر الرسالة للحزب، وإيجاد شخصيات قيادية قادرة على كسب ثقة الناخبين، كما يجب على الأحزاب الناشئة أن تكون قادرة على التكيف مع التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعديل استراتيجياتها وبرامجها لتحقيق أهدافها وجذب المزيد من الدعم والمؤازرة. يجب أن تكون الأحزاب السياسية الناشئة ممثلة لمختلف فئات وطبقات المجتمع، مما يزيد من قدرتها على جذب دعم أوسع من الناخبين، وفي حالة الأحزاب السياسية الناشئة ذات الموارد المحدودة، يتعين عليها تشكيل تحالفات استراتيجية لتعزيز فرص النجاح في الانتخابات.