صدق شاعر الأردن عرار حين قال:
يا أختَ رمّ كيف رمّ وكيف حالُ بني عطيّة
هل ما تزالُ هضابهمُ شُمّاً وديرتهم عذيّــة
تذكرت عرار وأبيات عرار، وتخيلته جالساً معنا يحدثنا عن فلسفة المكان عند الأردنيين، وأحسست بما قاله عرار وأنا ألتقي ذلك الشموخ " العطوي" في ديوان الشيخ فواز بن حامد الأصفر شيخ بني عطية في الأردن، الذي يلاقيك بابتسامته الرائعة من أول لحظة تلتقيان فيها، فتحس بأنك تعرفه منذ عقود.
هناك في القطرانة، مدرسة عريقة في الوطنية الأردنية الحقة، تعرف معنى أن تكون أردنياً بحق، وأن هناك فرق بين الأردني والمتأردن، هناك، يجتاحك ذلك الإحساس الهائل بالارتياح لأنك أردني نبت من هذه الصحراء، فتلتقي الجينات الأردنية الصحراوية بشكل تلقائي وسلس، عندها تدرك أن الأردنيين هم عائلة واحدة، وأن هناك صنفاً من الدماء هو الصنف الأردني الذي يسري في عروق كل الوطن.
في كنف بني عطية، ما أن تجلس في ذلك المجلس الرحب، حتى تنفض عن كاهلك كل ما لصق في نفسك من الخوف على الوطن، ورجعت إليك الثقة بنفسك وبالأردن، وبأن في هذا الوطن رجال صدقوا ما عاهدوا الوطن عليه، وبأن قبائلنا الأردنية الشماء، هم صمام الأمان الحقيقي، بعد كل تلك السنوات العجاف التي جربت دولتنا فيها "الصلعان" و" الستات" القادمون من اللامكان، الذين يحملون أوطاناً كثيرة في حقيبة سفر واحدة، يخرجونها عند آخر مطار يميلون إليه.
لا يتفاجأ المرء، وهو يرى القطرانة محرومة من معظم المزايا التي أعطيت لأماكن غيرها، مزايا، يحرم منها المكان الأردني لصالح الأماكن الطارئة مثل ضاحية الحاج فلان، وضاحية أم فلان وهكذا، وفي غمرة انبهار حكوماتنا بثقافة أصحاب بناطيل الجينز والطنطات التي كدّستهم في مواقع صنع القرار، فحولوا قدسية المكان، من مكان مزروع فينا، إلى مجرد مقهى يقع في شارع الثقافة أو شارع الجاردنز، وهم لا يعرفون من مدننا وبلداتنا المضمخة بعبق التاريخ ودماء الشهداء، إلا أماكن مرور باتجاه العقبة حيث يقضون هناك الويك إند الخاص بهم.
ولتزيد حكوماتنا الطين بلة، أوجدوا ما أسموه دائرة "بدو الجنوب" الانتخابية، ليكون الأردنيون من القطرانة وحتى الحدود السعودية دائرة انتخابية واحدة بدل أن تكون كل دائرة كبيرة مقسمة لدوائر فرعية لكل محافظة، ومثل ذلك فعلوا في دائرة بدو الوسط، ودائرة بدو الشمال، إذن والحال هذه، كيف يعقل أن تكون القطرانة لواءً كركياً بدون نائب، في الوقت الذي تتمتع بعض الألوية التي لا يزيد عدد سكانها عن بضعة آلاف نسمة بنائب مستقل لها.
أنا أضم عتبي لعتب الشيخ فواز الأصفر وشبلي وفيصل وعبدالله، والحاج أبو زيد الذي تعتق وجهه الأسمر بكل شبر من هذا الوطن الأردني، عتب على حكوماتنا المتعاقبة وعلى الدولة ككل، وكيف أنها نسيتنا جميعاً كأردنيين، واستبدلت الذي أدنى بالذي هو خير، لكن بني عطية وكل الأردنيين، يأبون بشموخ، أن يخرج منهم من يغلق الطريق، أو يحتج، أو يعتصم، فهم مع الوطن لا عليه، خصوصاً في هذه الظروف التي تعصف بكل شيء، ولسان حالهم يقول:
بلادي وإن جارت علي عزيزة............وأهلي وإن ضنوا علي كرام