في كل مرة لا يجد المواطن الاردني ما يشفي غليله بالمعلومة, في وسائله المحلية, سواء الرسمية او الخاصة, يلجأ الى منصات التواصل الاجتماعي او الى الاعلام العربي والغربي, وخلال الاسابيع الماضية, كان الفضاء مسموما بشكل جلي, فالحرب الكروية اشتعلت, وحرب الخضار وتصديرها الى الكيان الغاصب, كانت على اشدها, فطغت الاخبار الهلامية, على ابرز جولة للملك بعد السابع من اكتوبر, بل ان وسيلة واحدة محلية لم تلتفت الى ان الملك عبد الله هو اول من زار البيت الابيض بعد الحدث الاعظم في تاريخ فلسطين وقضيتها, وعلى العكس تجاوزت اخبار مسيرات الجمعة المدروسة بعناية, والمشغولة باحترافية على الحدث.
سيدات يحاولن الاصطدام بقوات الشرطة, ويسمعن شباب الامن كلاما قاسيا, لا يستحقونه بكل تأكيد, ولا تعرف لماذا اختارت الجهة الداعية للمسيرة, هذا الشكل النسوي من الصدام الخشن مع رجال الامن, هل لأن المرأة لها كينونتها الخاصة في المجتمع الاردني, وبالتالي اي اعتداء او تصرف خشن مع احدى السيدات سيجعل الامور في غير مجراها؟ ولمصلحة مَن؟ هل المطلوب ان يظهر الشرطي الاردني بصورة اقرب ما تكون الى شرطي الاحتلال الصهيوني, على بوابات الاقصى او في احدى قرى ومدن الضفة الغربية, هل المطلوب ان يفتح حوار فضائي حول من يقف مع الامن العام ومن يقف مع المتظاهرين, علما بأن الجميع مع غزة.
في الاردن ومصر فقط, ثمة معارضة تقدم مصلحتها على مصلحة اللحظة الوطنية, وسبق ان قلنا مرارا وتكرارا, ان المعارض هو من يطغى حبه لوطنه على كرهه للحكومة او السلطة, وان المعارض يحب الاردن اكثر من اي شيء آخر, فهو اختار معارضة القائم من اجل تحسينه وتجويده, وليس من اجل هدمه وتقزيمه, ولا مصلحة لأحد في تقديم رجل الامن على انه خصم او عدو, فهويؤدي واجبا, ونعلم ان المؤسسات الامنية والشرطية في الاردن محترفة, بمعنى انها لا تعمل بالسياسة من قريب او بعيد, وإن كان القرار الذي يحكم عملها هو سياسي بالضرورة, وهذا يعني ان الخصومة يجب ان تكون مع المؤسسة السياسية وليس مع الجهاز الشُرطي.
أفهم واتفهم, ان تسير مظاهرات ومسيرات, تطالب باقالة وزراء بعينهم, او باقالة الحكومة كلها, فهي الجهة المسؤولة سياسيا, ولكن لا افهم ان نصطدم بالامن العام ورجاله, فهم ينفذون اوامر صدرت, وفي جلها اوامر لها علاقة بحماية المتظاهرين وحماية مصالح وطنية حسب المصالح السياسية للدولة الاردنية, التي يجب ان تتصرف وفق منطوق مغاير لمنطوق الحزب او المتظاهر, وسلوك الدولة منذ حرب الابادة على غزة, لا يتناقض او يتصادم مع الشارع الشعبي ووجدانه, بل ان حديث رأس الدولة في البيت الابيض مؤخرا, هو الاقوى على المستوى العربي وجاء في عقر دار اكبر دولة مساندة للكيان الصهيوني, وهذه حدود وامكانيات دولة بحجم وظروف الاردن الجيوسياسية والاقتصادية.
يبقى السؤال الواجب طرحه حاضرا, لماذا كلما يتحدث رأس الدولة بقوة وفصاحة امام عواصم الغرب الصانعة للحرب وللسلام, يكون رد الفعل الداخلي معاكسا له في القوة والاتجاه, ولماذا تسعى قوى بعينها الى توتير الشارع ورفع سقف الهتاف والصدام, علما انها تقوم بتبرير ومدح انظمة عربية واقليمية تقف في اسفل قائمة الدعم بل وموقفها, اقل من الموقف الاردني بكثير وسلوكها الاقتصادي والسياسي مندغم مع المشروع الصهيوني؟ سؤال ربما يحتاج الى ورشة وطنية حقيقية, نتحدث فيها بجرأة ووقار, فلا يجوز ان يبقى الاردن اسيرا لخطاب مأزوم, او اسيرا لخطاب مرسل لا يغني ولا يسمن من جوع يقوده اعلام بائس, لم يعرف بعد خطورة بقائه في خانة التطبيل والتزمير, دون التفكيك والتحليل, او في خانة الرفض الذي لا يرى في الوطن الا السواد.
omarkallab@yahoo.com
عن الانباط