facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




حرّية الشيطنة


فيصل سلايطة
17-02-2024 12:44 PM

يختلف البعض حول الحرّية كنهجٍ شموليّ عام , و تلك الحرّية السائدة في عالمنا العربي , دماءٌ كثيرة أريقت لأجل هذه الكلمة , و باتت الحريّة تلبس ثوبا و رداءً آخر عن ذلك الصافي الطبيعي المنطقي ...فهل حقا لا يجتمع العرب مع الحرّية ؟.

و هنا يتبادر إلى الذهن سؤال محوري...ما معنى الحرّية؟.

هل هي ما قامت به الجموع من انصار المرشّح الرئاسي الامريكيّ ترامب عندما اقتحمت مبنى الكابيتول رفضا لنتائج الانتخابات ؟ أم هي التوجّه للشارع و التعبير السلمي عن الرفض أو القبول , هل هي اتاحة الفرصة للتعبير عن الرفض أو المعارضة لأيّ عنصر من عناصر الدولة بدءًا من أعلى الهرم وصولا لاصغر موظّف في الدولة ؟.

وكيف نستطيع التفريق بين الحريّة المنطقية و حرّية الشيطنة تلك التي تشحن الشارع و المجتمع بُغية التثوير ؟.

هذا الموضوع خلافيّ جدا , فالبعض يذهب إلى أنّنا شعوب عاطفية لا تستحق الحرّية الواسعة, والبعض يُنادي بالحرّية المطلقة التي لا تعرف الحدود, و لكن هل هنالك أرضية يجب أن تُفرش للحرية لكي تُطبّق جزئيًا أو كلّيًا ؟.

بالتأكيد نعم , فالحريّة دون دراسة للجدوى و قراءة تبعاتها و التخطيط لها قد تتحوّل لفوضى , و تتحول الفوضى إلى نزعات , وصولا للحروب الداخلية و الاهلية , إذن ما العمل ؟ كيف نطبّق الحرّية ولو كانت جزئية ؟.

إن الاساس الاول لتطبيق الحريّة هو تحديد سقف هذه الحريّة ضمن القوانين و الانظمة , بحيث يُرسم لها محددات منطقية و خطوط حمراء قد تكون فضفاضة أو حادّة تبعا للحساسية التي قد تلامسها ,الحرية أيضا يجب أن تترافق مع فهم مجتمعيّ للقوانين المدنية و تطبيق فعليّ لها , لأنّ القوانين الدينية قد تتعارض مع مبادئ الحريّة " المنطقية " , فقد نجد بعض القوانين التقليدية تتعارض مع القوانين المدنية و بهذا يتكون جيب أو هوّة تتحول بها الحرّية لشكلٍ آخر لا يطبّق على الجميع .

إذا الحريّة المسؤولة تحتاج قوانين مدنية تمكّن بها صناع القرار من التطبيق الكلّي على الجميع دون تفرقة , فما فائدة الحرّية إن طبّقت على فئة دون أخرى أو أصبحت سلوكا انتقائيا متحيّزا ؟ .

إن واحدة من اكبر الامثلة على الحرّية الفوضويّة و التي أتت كنتيجة لاتحاد الحريّة و العاطفة و ترهّل حدود الحريّة , هو ما حدث في الاردن خلال احداث أيلول 1970 , و هنا تُضرب الامثلة و لا تقاس , بحيث نستطيع أن نرى كيف أن الحرّية غير الموضوعة في قالب المحددات ذهبت إلى ما هو ابعد من المبادئ المشروعة لها , و كيف أن العاطفة فرشت بساط الفوضى للحريّة لتتحول لشكلٍ آخر أقرب للنزاع الذي تحول بتسارع لشكلٍ من اشكال الاقتتال , فلو كانت الحرية منضبطة حينها بلا عاطفة , محدّدة بسقوف و قوانين لما تحوّلت و تبدّلت .

إذن الحرّية المطلقة كتلك الغربية و التي أرى أن الغرب بدأ شيئا فشيئا بتغيير تعاطيه معها, لا نستطيع تحمّلها في عالمنا العربي , فكلما كانت العاطفة تتحكم بمصائر الشعوب أصبحت الحرّية تهديدا للسِلمْ , فالشعب الذي يقرّر بقلبه لا بعقله قد يدمّر وطنا بغير دراية , و رجوعا للحرّية في الانموذج الغربي نستطيع أن نرى بأنّها بعد حرب غزة باتت منقوصة , فهل يُعقل أن تصبح مظاهرات سلمية منطقية نصرةً لغزة خطوةً محرّمة على الشعوب الغربيّة ؟ هم الذين يبيحون مظاهرات للتحوّل الجنسي و أخرى تنصر قطّة جريحة أو فراشة كُسِرَ جناحها , كيف يسارعون لتكميم افواه شوارعهم بعد ما رأت من أهوال لحرب غزة؟!..

الخلاف في فلسفة الحرّية أنّها تولّد شعورا بالمظلوميّة بعد أيّ اعتقال أو محاكمة أو حتى تحقيق مع شخصية معيّنة , تلك المظلومية التي قد تأخذ شكلا من اشكال البطوليّة , فالشعب الذي ينساق شعوريا لا اقتناعا عقليا قد يجد في شخصية (س) مثلا بطلا شعبيا مناديا بنصرة المستضعفين و المظلومين , في حين أنّ ( س ) قد يأخذ من المستضعفين حجة للتسلق نحو الشهرة , و كيف إن اختلطت تلك الاساليب مع المتاجرة بالدين لرسم صورة نمطية في العقول , تصبح (س) بعدها من الشخصيات المحرّم المساس بها , و ما إن تلجأ الدولة للتحقيق حتى تصبح تلك الشخصية من " معتقلي الرأي " الذي ينادي الشارع بحرّيتها دون أدنى تفكير حول صوابية أو خطأ النهج المتبع لتلك الشخصية.

فلسفة الحريّة ليست بنقرة الزر تلك التي تُطبّق بلحظة و تُبطَلْ بأخرى , بل تحتاج لجيلٍ أو أكثر لكي تصبح مفهومة و متكيّفة ضمن الثقافة المجتمعية أو العادات و التقاليد , لأنّها إن طُبّقت بسرعة دون تروّي قد تُحدث صدمة ثقافية أو انفلات سلوكيّ داخل المجتمع, لذلك تبدأ الحرية من المناهج التعليمية التي يجب أن تغرس في عقول الاطفال معاني الحرّية و محدداتها , الحقوق و الواجبات بشكل عميق و موسّع .

من العُقد الخلافية في موضوع الحرّية, أن كل فئة أو جهة في المجتمع تريد أن ترسمها و تحيكها و تلبسها لبقية المجتمع , فمثلا نرى بعض الفئات المتشددة تريد حرّية لا تصطدم مع منهجها , أمّا من يرون بأنّ الانفتاح هو الحل يريدون حرّية تقمع بقية اطياف المجتمع, لذلك نستنتج بأنّ الحرية عنصر دقيق و حسّاس يحتاج للكثير من الدراسة و التروّي به ...خصوصا في عالمنا العربي .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :