قبل حوالي ثلاثة أشهر ، كتبت مقالاً في هذه الزاوية العزيزة من "الدستور" كان عنوانه: "سيد البلاد والأصفياء.. والرعية" ، وفي ذلك المقال أشرت إلى خطورة أن تتحول الحكومات إلى سد بين القيادة والشعب وحذرت يومها من هذا الأسلوب في التعاطي عندنا وفي كثير من البلدان العربية بما سيترتب عليه أن تنفجر الناس في الشارع لتوصل صوتها.
ما أقصد الإشارة اليه هو أن ما كتبته عن هذه الحكومة الجديدة من أول يوم لتكليفها ثم بعد تشكيلها مباشرة وما كتبته بعد ذلك بعد حصولها على ثقة بشق النفس،.
والحقيقة أنني أؤيد من يدعون إلى إعطاء هذه الحكومة أو أية حكومة جديدة فرصة لكن في نفس الوقت لا أحد ينكر أن كل المؤشرات توحي وكأن هذه الحكومة بلا إرادة ولا خطة وأنها ماضية في استكمال مسيرة حكومة تصريف الأعمال التي سبقتها والانزلاق بتسارع في نفس درب الحكومة السابقة التي كانت "ماشي حالها" في الظروف العادية شأنها شأن الحكومات التي سبقتها والتي أدمنت الاسترخاء والتمتع بمزايا السلطة ، أما مقومات وجود تلك الحكومات وحضورها فهي تستمده من خلال ما تستنزفه من رصيد النظام وهذه الحكومات بدل أن تكون عوناً للنظام كانت عبئاً عليه كما أشرنا في المقال المذكور المنشور قبل ثلاثة أشهر.
وكذلك فإن ما نقوله اليوم ليس حكمة متأخرة ، لكنْ ، هنالك اليوم ظروف صعبة وقاسية وهنالك كما كتبنا مراراً لحظة حرجة وفارقة وحالة احتقان وتوتر "وتسونامي" يعصف بكل منطقتنا حالياً ، ولا يستثني أحداً وهو يتطلب وعياً وكفاءة وقدرات استثنائية لمواجهة هكذا وضع استثنائي.
ما نقصد قوله أن الحكومة السابقة قبل انفجار الأزمة كانت تعيش حالة استرخاء مثل سابقاتها من الحكومات التي ظلت تصرف الوعود وتردد التسويفات وترفع شعارات الإصلاح وكل أشكال الكلام النظري بلا رصيد.. الخ.
الملك كان قد أعلن قبل أيام من تشكيل الحكومة الحالية قولته المدوية "لا تصدقوا كل من يقول لكم هذه أوامر من فوق" وهذا حمل معنى محددا وهو أن قائد الوطن لا يوفر غطاء لمن يريد أن يدس عليكم ولم يعد مقبولاً أن يستمر استنزاف الحكومة من رصيد شرعية النظام وشعبيته ، ويتصل بهذا الأمر ما عبر عنه جلالة الملك ضمناً وهو أنه يريد أفعالاً لا أقوالاً وأن من يعتقد أن الرصيد الوحيد له هو المتاجرة بالولاء ، فهو اعتقاد خاطئ خاصة في هذه الأيام.
ومن المؤسف جداً ، أن الحكومة ربما فهمت الرسالة الملكية بهذا الشأن معكوسة.
على ضوء ما تقدم ، تسهل الإجابة على اضطراب احوال الحكومة ابتداءً من ماراثون التأليف الذي تمخض عما تمخض عنه كما شرحناه في مقالات سابقة.
وهناك ظاهرة جديدة غير مسبوقة في الأردن برزت في الأردن وهي مزاودة بعض الوزراء ، وهي ازداوجية لا سابقة لها ، وهنالك شعارات الإصلاح،، ماذا قلت.. هل قلت إصلاح؟،. وأخيراً مسرحية لجنة الحوار الوطني ، وغير ذلك من تخبط وضياع وارتباك. بما يتناقض مع توجيهات التكليف السامي المشددة ، وصعوبة الوضع الراهن وتحدياته ومخاطره ، وذلك سيكون موضوع مقالات أخرى قادمة بإذن الله.