الحزب الديمقراطي الاجتماعي .. اندماج مؤسسي و استهلال نخبوي
د. عبدالله هزاع الدعجة
15-02-2024 12:50 AM
إن من حسن الطالع للحزب الديمقراطي الإجتماعي إندماجه مع تيار التنمية والتحديث ؛ لأنه خياره الإستراتيجي للتوسع و إكسابه خبرة ديمقراطية متأصلة أضافت له الكثير؛ إذ ساهمت بترشيد الإدارة مفهوما و ممارسة و عمقت المؤسسية و كافحت الشخصنة و المزاودات العبثية والفساد بكافة أشكاله ؛ فاستوى الاعضاء فيه مع وافر التقدير للتجارب النضالية لأي منهم ، إلا أن المصلحة العامة تسمو ولا يسمو عليها ، لا سيما إذا ظهرت لحون نشاز تخالف التوجهات الملكية السامية السابقة واللاحقة في هذا الشأن.
لقد ضم التيار والحزب المندمجين كفاءات علمية و سياسية نزيهة و مخلصة و متفانية ، أدت قسطها الوطني بكل وقار و كبرياء ، و أسهمت بالوصول بالحزب إلى ما هو عليه من حالة تغيرية تقدمية عز نظيرها ، و لا يمكن وصف هؤلاء العمالقة على أقل تقدير بالعراب أو المنظر أو الأب الروحي أو المهندس ؛ إذ انتقل الحزب من الإطار المقايضاتي القديم و ما رافقه من هشاشة البنى ، إلى أفق البناء الدولتي الحديث و تطورت شبكة العلاقات على المستوى الإجتماعي والسياسي ليصبح الرابط بالعلاقة بين العقل السياسي و النسق الاجتماعي ، رابطا روحيا أكثر منه رابطا أداتيا أو قانونيا ، و هذا المآل الحقيقي في تحول الإنسان من كائن صيروري فردي إلى كينونة جمعية ، و بالتالي يشكل الحزب بعده الهوياتي ويعيد صياغة الأرواح ؛ بحيث تختفي حالة التوتر بين ما هو سياسي و ما هو اجتماعي و يجعل حالة القطيعة المفترضة ابتداء" ،حالة تشاركية عامة بالتقادم .
إن برنامج الحزب التفصيلي و رؤيته و رسالته و أهدافه القطاعية والاستراتيجية التي سيتم الاسهاب بها في مناسبة قادمة ، استنادا للقيم المستهدفة المعبر عنها بالاحصاءات الرسمية ، ستشمل نسبة مرتفعة من مجالات الحياة العامة و أكثر من نسبة ٥٠ % ، بكافة القطاعات الحيوية بالدولة الأردنية .
لقد كانت اللفتة الذكية للمفكر الإستراتيجي الدكتور مصطفى حمارنه بعدم الترشح لأي موقع بالهيكل التنظيمي الجديد و إتاحة الفرصة للأجيال الصاعدة لإعطاء الزخم و القوة بالإنطلاقة الجديدة ، وتحمله للتحديات و الصعوبات التي يعمل على تذليلها و تجاوزها لتحقيق الهدف ، لتؤكد بإشارة هامة ليست بالغريبة على الدكتور مصطفى حمارنه بإنكار الذات و تغليب المصلحة العامة و هذا ما يعبر عن نزاهة كثير من الشخصيات الوطنية بممارسة السلطة و عدم احتكارها ، و التي تحمل مواصفات نخبوية أمثال الدكتور مصطفى حمارنه و نفتقدها بغيره ممن يعملون بالمجال السياسي و الإداري و الإقتصادي من السابقين و اللاحقين على أسوأ تقدير .
إن هذه التجربة الإصلاحية تشهد تمثيلا نوعي لكافة صنوف التمايز في إطار اللوحة الفسيفسائية الباهية لهذا الإندماج الذي يعبر في محطته الأولى المباركة كما سائر محطاته المستقبلية عن سعيه الدؤوب و شغفه المحبوب لتنفيذ مشروعه بالتغيير القائم على المواطنة و الحرية و تكافؤ الفرص و التضامن و العدالة الاجتماعية بمفهومها الإجرائي والتوزيعي والموضوعي .
وإن إعادة إنتاج زعامة أفراخ الرجعية الأولى مرة أخرى ، داخليا و خارجيا ، لن يرضى عنه أعضاء الحزب الديمقراطي الإجتماعي قبل الإندماج و بالقطع بعد الإندماج ، وفي ذلك تهديد لتماسك الحزب و اكسابه الشرعية أمام أعضائه أولا و أمام سائر الأحزاب و أمام الدوائر الرسمية و أمام جماهير شعبنا العظيم الذي نحمل على عاتقنا جميعا مسؤولية مستقبله لا سميا قطاعات الشباب و المرأة و الطفل .
إن الشعب يرنو للإنضمام للأحزاب إذا آمن بتجربة نزيهة في تداول السلطة و تحقيق تغيير على أرض الواقع وأن ما يدور في ذهن المواطن من أسباب لتحسين مستوى حياته يدور في ذهن الأحزاب القادرة على تغيير الواقع ، أما تداول السلطة التي تعتبرعبئا ثقيلا على من لا يستطيع تطويرها ، فيكون إعادة لإنتاج التخلف والرجعية و مصادرة حق الناس بالتغيير الممنوح لهم من الدولة وفقا للدستور و القانون ، فالسلطة المطلقة فسادا مطلق .
إن "الحزب الديمقراطي الإجتماعي و تيار التنمية و التحديث " بعد الاندماج المؤشر بدقة على تطور الحياة السياسة ، على مفترق طرق هام جدا في حياته ، و يحدد مستقبل العمل الوطني لأعضائه و للمنتسبين الجدد و لكافة أشكال الطيف السياسي الأردني المؤيدين له ، لا سيما و هو يحضر لخوض غمار الانتخابات البرلمانية القادمة ، وأخيرا و ليس آخرا ، إن الديمقراطية في جوهرها احترام انسانية الانسان فردا و جماعة و هذا ما يضمنه جلالة الملك المعظم و يوجه الطبقة السياسية لتطبيقه فعليا ، لأنه أرسى تقاليد الديمقراطية الحقة كما الحسين العظيم رحمه الله و أسلافه ملوك بني هاشم الذين رسخوا فلسفة الحكم الخالدة ؛ بحيث غدت مدونة عالمية .
حفظ الله لنا شعبنا الحرالأبي المتميز بالصدق و التفاني في ظل الدوحة الهاشمية الشريفة المباركة .
و الله من وراء القصد .