في القمة الحكومية العالمية التي عُقدت مؤخرًا في دبي، تناولت إحدى الجلسات موضوع "الذكاء الاصطناعي والآفاق المستقبلية الجديدة". خلال هذه الجلسة، ألقى جين-سون هوانغ، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة NVIDIA، الضوء على أهمية تبني مفهوم الذكاء الاصطناعي السيادي كاستراتيجية جديدة للأمن القومي.
تضاعفت قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم ألف مرة خلال عام واحد فقط. تم تحميل مجموع المعرفة البشرية كاملة في الفضاء الرقمي، ونحن كبشر نحتاج إلى ملايين السنين للاطلاع على هذا الكم من المعلومات. وعلى هذه الوتيرة، تتنبأ الدراسات بأن الذكاء الاصطناعي سوف يتولى 70% من المهام في مختلف القطاعات، وستفوق إنتاجيتنا كجنس بشري كل ما كنا نتخيله باستخدام هذه التقنية. ومع ذلك، فإن هذه التقنية هي سلاحٌ ذو حدّين؛ حيث سيكون التضليل الإعلامي وانتشار المعلومات المضللة والمغلوطة أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية.
الذكاء الاصطناعي السيادي يعني قدرة الدولة على تطوير وتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل، بما يتماشى مع مصالحها الوطنية وقيمها الأساسية. في عصر تتزايد فيه التحديات الأمنية والتكنولوجية، يمنح هذا المفهوم الدول القدرة على التحكم في تقنياتها الحيوية، مما يقلل من الاعتماد على الأطراف الخارجية ويعزز الأمن القومي.
يمكن للدول استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة مثل الدفاع، الأمن السيبراني، وإدارة الأزمات، مما يساهم في تعزيز قدراتها الدفاعية والاستجابة للتهديدات بشكل أكثر فعالية. على سبيل المثال، في مجال الدفاع، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الاستخباراتية بسرعة ودقة، مما يساعد في اتخاذ قرارات استراتيجية. في الأمن السيبراني، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد التهديدات والهجمات الإلكترونية بشكل استباقي والتصدي لها.
ومع ذلك، تواجه الدول تحديات عديدة في سعيها لتحقيق الذكاء الاصطناعي السيادي. تشمل هذه التحديات الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، والنقص العالمي في المواهب والخبرات المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر التعاون الدولي مهمًا لتبادل المعرفة والخبرات، رغم أن الدول تسعى لتحقيق السيادة في هذا المجال.
لتحقيق الذكاء الاصطناعي السيادي، يجب على الدول تطوير البنية التحتية اللازمة، دعم البحث والابتكار، بناء شراكات استراتيجية دولية، تطوير المواهب الوطنية، ووضع إطار تنظيمي وأخلاقي لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وشفافة. الإطار الأخلاقي مهم بشكل خاص لضمان أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لا تُستخدم بطرق تتعارض مع القيم الإنسانية والحقوق.
يمثل الذكاء الاصطناعي السيادي ركيزة أساسية للأمن القومي والتنمية الاقتصادية في العصر الرقمي. من خلال تبني استراتيجيات مدروسة لتطوير وتطبيق الذكاء الاصطناعي، يمكن للدول تعزيز سيادتها التكنولوجية وضمان مستقبل مزدهر وآمن لمواطنيها. ومع ذلك، يجب على الحكومات ترتيب أولوياتها بشكل سنوي والتركيز على كيفية استخدام هذه التقنية بشكل مسؤول وفعال لصنع مستقبل أفضل.