هل يتكرر مشهد الثقة في الموازنة?
سلامه الدرعاوي
20-03-2011 03:48 AM
لا شك ان الفجوة كبيرة بين النواب والحكومة حول مشروع قانون الموازنة العامة. فكل منهما لديه مفهومه الخاص حول ما يجب ان تتضمنه خطة الدولة المالية. لذلك نجد ان الخطابين الحكومي والنيابي متناقضان تماما ولا يلتقيان الا عند القليل من النقاط الجامعة والعامة.
الحكومة تقول ان مشروع الموازنة مصمم بطريقة تضبط العجز المالي البالغ 1.16 مليار دينار. وانها تسير ضمن خط امن للدين الذي بلغ ما يقارب ال¯ 11.7 مليار دينار. وان بنود مخصصات شبكة الامان الاجتماعي كافية للمساهمة في الحد من غلاء الاسعار وتآكل الدخل خاصة وان الخزينة تحملت زيادة ال¯ 20 دينارا ووسعت دائرة التوظيف بتنظيمها حزمة تعيينات مختلفة القطاعات تقدر بحوالي 21 الف وظيفة جديدة. مع حزمة تعديلات جوهرية على عدد من القوانين الناظمة للعمل الاقتصادي في سبيل تحفيز بيئة الاعمال والاستثمارات.
اما السادة النواب فغالبيتهم لا تعنيهم تلك المؤشرات الاقتصادية التي دائما ما تدخلهم الحكومات في دوامة الارقام الصماء. لذلك هم يستغلون موسم الموازنة لالقاء خطابات مخصصة لناخبيهم ومناطقهم الانتخابية بالدرجة الاولى.
النواب الجدد الذين لغاية اليوم لم يتمكنوا من القاء مطالبهم الخدمية على الحكومة بسبب تغييرها يواجهون اليوم نمطا جديدا في العلاقة مع الحكومة التي تصر على تنظيم تلك العلاقة بطريقة مؤسسية بعيدة عن الشخصنة والمصالح الجانبية. عكس الحكومة السابقة التي قدمت وعودا مكتوبة في بعض الاحيان اثناء خطابات الثقة والتي حققت نتائج غير مسبوقة عندما حصلت الحكومة على ثقة ال¯ 111 نائبا وهو امر اثار مصداقية النواب من جهة واستفز الشارع من جهة اخرى.
اليوم , المشهد مختلف تماما, فالحكومة تاتي اليوم للمجلس بموازنة في ظل ظروف سياسية واقتصادية صعبة للغاية. كما انها تاتي بعد ثقة صعبة حصلت عليها من النواب الذين ارادوا الثأر لكراماتهم بعد ان تم اقالة حكومة 111 بعد 40 يوما من حصولها على تلك الثقة.
النواب اليوم امامهم جملة لا تنتهي من مطالب ناخبيهم والمتعلقة معظمها بتعيينات وخدمات في مناطقهم. ووضع الموازنة لا يتلاءم مع تلك الطلبات. لا بل ان الحكومة ترى في تصميم الموازنة الحالية لا يجوز المساس بها على اعتبار ان العجز والدين باتا خطا احمر لا يجوز الاقتراب منه. هنا نلاحظ ان الفجوة كبيرة في اهتمامات الجانبين.
التقريب بين الموقفين لا يمكن ان يكون واردا في المرحلة الراهنة. ولن يكون الا من خلال وقفة اقتصادية لمراجعة وتقييم للعلاقة بين الحكومة والنواب والاتفاق على ثوابت اقتصادية تتخطى الاجتهادات الشخصية.
المفروض ان يبتعد النواب عن النقاشات الضيقة في مشروع قانون الموازنة ويتم التركيز على جوهر المضمون الاقتصادي وكيفية تحقيق الاهداف المنشودة ضمن الموارد المحددة, لذلك بدلا من المطالبات التي تزيد من المديونية والعجز, فهناك فرضيات مهمة بنيت عليها موازنة العام المقبل تتطلب من النواب فهما حقيقيا لها واتخاذ موقف حازم تجاهها.
الموازنة العامة بحاجة الى فهم حقيقي ومنطقي والخروج من النمط التقليدي في النقاش والتركيز على اطر التنافسية وتفعيل دور القطاع الخاص ومراقبة الاداء الحكومي ومراجعته على الدوام, ولا يعيب احدا من النواب اذا استعان ببيوت خبرة اقتصادية تعينه على النقاش بدلا من جعل الموازنة موسما للصراخ.0
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)