مُغامرة ذَاتِ الصَّوَارِي (٧) .. قراءات في الانتصارات
د. نبيل الكوفحي
14-02-2024 04:09 PM
لم تنته الخلافة الاسلامية الثالثة في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى غامر المسلمون ابناء الصحراء بمعركة بحرية، لربما لاول مرة يركب غالبهم وقادتهم البحر. حدثت معركة ذات الصواري في العام 35 هـ بين المسلمين والإمبراطورية البيزنطية في شمال غرب البحر الأبيض المتوسط وعلى الاغلب قبالة السواحل الجنوبية لتركيا وهي أول معركة بحرية خاضها المسلمون.
قاد الأسطول الإسلامي عبد الله بن أبي سرح والي مصر، وانضم اليه معاوية بن ابي سفيان والي الشام رضي الله عنهما، وقد بلغ اسطولهم قرابة مائتي سفينة، في المقابل كان الأسطول البيزنطي بقيادة الإمبراطور قسطنطين الثاني في تعداد ما بين ٥٠٠ الى الف سفينة باختلاف الروايات. انتهت المعركة بهزيمة الروم وتحطيم معظم سفنهم على أيدي المسلمين حديثي الخبرة بالبحر.
لم تمنع قلة الخبرة بالبحر المسلمين من التفكير بخوض البحر والقتال فيه امام قوة متمرسة وذات تاريخ فيه. فالايمان كفيل بكسر كل القيود، والثقة بالله ووعده تجعل ما يراه البعض مستحيلا ممكنا، فلا الامر متعلق بحجم قوة العدو ولا سيرته وهيمنته ولا بقلة الامكانات والخبرات لدى المسلمين، فكل تاريخ معارك المسلمين كانوا اقل عددا وعدة، ان الايمان وسمو الهدف وعدالته تفجر طاقات لم يكن توقعها قط، وتصنع من الرجال المؤمنين ابطالا ذووي مراس وبأس. امام ضعف الامكانات والخبرات قرر المسلمون ربط سفنهم معا والالتحام مع سفن العدو ليصبح القتال وجها لوجه، وهنا تختبر قوة الايمان وعدم مهابة الموت فكان النصر المؤزر للمسلمين.
يقول تعالى ( واتقوا الله ويعلمكم الله) هذا وعد الهي لا يشك به المؤمنون ما داموا قد امنوا به واتقوه واعدوا ما استطاعوا. لم يكن الامر مقصورا على هذه المعركة؛ ففي كل معارك المسلمين هناك خطط وحيل جديدة تفاجأ بها العدو، كلها كانت بفضل الله وتوفيقه.
لم يمنع ما كان يعتبر حقائق عن جيش كيان الاحتلال في فلسطين؛ من كونه جيش لا يقهر، هزم كل الجيوش العربية في عدة معارك، يمتلك تفوقا في كل ادوات الحرب باستثناء ايمان الجندي واستعداد للموت في سبيل قضيته. لم يمنع ذلك كله وكثير غيره ان يفكر المجاهدون خارج الصندوق، يتجاوزوا كل الانطباعات المحبطة، ويخططوا بان يكونوا المبادرين انطلاقا من قوله تعالى (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين). لقد امنوا بالله وتوكلوا عليه ودخلوا عليهم الباب، فكان طوفانا فاق كل التوقعات وهدم الكثير من النظريات والاوهام. بالتأكيد ان الثمن الكبير، والالم شديد، لكنها ارادة الله الذي يسمح ويرى حتى يحين وعده ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون).
والى قراءة في معركة اخرى ان شاء الله