كل المنطقة قيد الفك وإعادة التخريب
السفير الدكتور موفق العجلوني
14-02-2024 03:12 PM
اطل علينا الصحفي المبدع الزميل ماهر ابو طير بمقال اختتمه بعبارة: "كل المنطقة قيد الفك وإعادة التركيب"، وافتتحه بعنوان: "ملفان خطيران في هذا التوقيت" منشور في عمون الغراء نقلاً عن صحيفة الغد الغراء. والصديق ماهر ابو طير يمتاز بعمق تحليلاته وبعد نظره، لا مجاملات عاطفية في لقاءته الصحفية والسياسية، رغم محاولات عامر الرجوب في برنامجه صوت المملكة.
ارجو ان يسمح لي هنا الزميل ماهر بالتوقف عند العنوان الذي ورطني به شخصياً ووضع امامي إشارة حمراء فاجبرني على الوقوف أملاً ان لا تطول هذه الإشارة الحمراء بانتظار ان يمنحني الضوء الأخضر.
الفك والتركيب بالمفهوم السياسي يشير إلى تغييرات كبيرة في البنية والهياكل السياسية في دولة ما او منطقة ما. ويتضمن هذا التحول تغييرات في نظام الحاكم، والمؤسسات الحكومية، والقوانين، وغالباً ما يكون مصحوبًا بتحولات في السياق الاقتصادي والاجتماعي أيضًا.
وعلى سبيل المثال، يمكن أن يشمل الفك والتركيب السياسي إسقاط نظام او انقلاب وتأسيس نظام سياسي جديد: احتلال، تهجير، إبادة جماعية، سواء كان ذلك عبر عدوان وحشي واحتلال كما هو حاصل الان في فلسطين وقطاع غزة، أو انتقال سلمي للسلطة، أو حتى عبر تغيير دستوري. قد يتم ذلك أيضًا عندما يحدث تغيير جوهري في هياكل الحكومة والسلطة القائمة.
أما هدف الفك والتركيب قد يكون تحسين الحكم والتحول نحو نظام أفضل يعكس إرادة الشعب ويحقق العدالة والديمقراطية. ومع ذلك، قد يكون هناك أيضًا تحديات وصعوبات خلال هذه العملية، مثل تأمين الاستقرار وتجنب التوترات السياسية.
هل التركيب يحمل ايجابيات وسلبيات؟ نعم، إعادة التركيب قد تحمل عدة جوانب إيجابية وسلبية حسب السياق وكيفية التنفيذ. إذا اتينا للإيجابيات، فمن الناحية السياسية، قد يتيح التغيير السياسي الفرصة لإقامة نظام ديمقراطي وعدالة اجتماعية. أما من الناحية الاقتصادية، يمكن أن يؤدي التحول الاقتصادي إلى تحسين الإنتاجية وزيادة الفرص الاقتصادية. أما بخصوص البنية التحتية، قد تشهد المجتمعات إعادة ترتيب يتضمن تطوير البنية التحتية، مما يعزز التنمية المستدامة.
أما بالنسبية للسلبيات، قد تسبب التحولات الكبيرة في تشويش البنية الاجتماعية مما يؤدي إلى عدم الاستقرار والصراعات. ويمكن أن يترتب على التغييرات الاقتصادية فقدان الوظائف في بعض القطاعات. وقد يؤدي التحول غير المتوازن إلى تفاقم الفوارق الاقتصادية والاجتماعية. وهذا الامر يقود الى التحول السياسي الامر الذي يؤدي الى تقلبات في الأمان وزيادة في التوترات الأمنية.
المهم، يجب تحديد كيفية تنفيذ إعادة التركيب وكيفه التعامل مع التحولات، حيث يمكن للتفكير الاستراتيجي والتخطيط الجيد أن يساعد في تقليل السلبيات وتعزيز الإيجابيات.
لقد عاش العالم ومن ضمنه منطقة الشرق الاوسط عمليات تفكيك كثيرة وإعادة عمليات التركيب. وعلى الرغم من سوء عملية التركيب، فقد سارت الأمور بشكل جيد نوعاً ما، امن واستقرار ونمو اقتصادي وحياة اجتماعية وازدهار، ورحل الاستعمار، الا انه جاء ببؤر مجرمة وعصابات عاثت فساداً وقتلاً وترهيباً في الارض والعرض والبشر والحجر ولا زالت تسير على نفس الموال منذ ما قبل عام ١٩٤٨.
في ضوء التطورات المنحدرة بدرجة تسارع كبيرة، حيث العملية التي أشار لها الزميل أبو طير ليست برأي عملية تركيب فحسب، لان عمليات التركيب التي تأتي بعد عمليات التفكيك، المفروض انها عمليات إعادة الأمور الى وضعها الطبيعي، ان لم يكن بقالب أحسن وأبهى وأجمل. ولكن نرى عملية التخريب البشعة التي يقوم بها الغرب عن طريق ادواته الهمجية المجرمة وعلى رأسها إسرائيل، والتي قامت باغتيال اسحق رابين، وهي رسالة لكل العالم اننا نرفض السلام ومن يحاول بناء السلام مع الفلسطينيين والعرب حتى من اليهود سوف يكون مصيره مصير رابين.. وبالتالي عملية التركيب/ التخريب هذه تبعها عشرات الالاف من عمليات التركيب: الأسلحة والذخائر والبوارج والاساطيل. أصبحت ليست عملية تركيب وانما عملية تخريب ممنهج. هذه العملية فقدت انسانيتها وشعورها وعلمها وتعليمها وحضارتها، اثبت العالم الغربي بالذات انه لا يخرج في تركيبته عن شريعة الغاب، وهذا ما رأيناه في قطاع غزة من عملية تفكيك وتخريب، وهذا ما نلاحظه في الضفة الغربية من عملية تفكيك وتخريب، وتدمير وابادة جماعية، وانما لكل البنى العمرانية والبشرية والحضارية.
ويبدوا لي ان مهندسي التفكيك الكبار ربما او على وشك ان تخرج عملية التركيب/التخريب من أيديهم، ويخرج علينا مهندسوا تركيب كثر وترسل لنا كل عصابات التخريب مهندسيها ومقاوليها ليقوموا بتفكيك هذا العالم ابتداء من منطقة الشرق الأوسط الى بقية العالم. وعندها ستكون هنالك تركيبة جديدة لعالمنا. باعتقادي سيدير شؤنها كل من الصين وروسيا وربما اليابان والهند والباكستان، وهنالك إمكانية لمشاركة كوريا الشمالية بعملية إعادة التركيب.
في أيامنا هذه وما تشهده المنطقة، أعتقد ان نتنياهو يسحب البساط من تحت الإدارة الأميركية ويقود العالم الى الدمار والخراب بفضل الدعم غير المحدود من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى. نعم انها عملية إعادة تركيب مقلوبة، وعوارض التخريب قد بدأت للعيان. وعندها سيعلم الذي خربوا أي منقلباً ينقلبون.
ان عمليات إعادة التركيب، التي أشار اليها الزميل ماهر ، و التي تقوم بها الولايات المتحدة بالتعاون مع إسرائيل ضد الجماعات والقوات والمليشيات التي على صلة بإيران، في سورية، العراق، اليمن، بمعنى اخر ثلاث دول عربية، تتم على حذر ، تتجنب توجيه أي ضربات لأي جماعات داخل لبنان ، بسبب قدرات الجماعات العسكرية فيه وتسليحها وقربها المباشر من فلسطين المحتلة، إضافة إلى أن واشنطن أيضا لا تريد توجيه ضربة مباشرة لإيران ذاتها وتعتمد مبدأ تقطيع الأذرع، بدلا من الذهاب للرأس،( تيمناً بالمثل العربي القائل : حييد عن الرأس واضرب ) لان رئيس مهندسي التركيب و هو في حملة تركيب واسعة تشمل ٥٥ " مدماك" ، حيث يخشى ان المدماك ال ٥٦ سوف يتجاهل كل المداميك ال٥٥ بهدف البقاء جالساً على مدماكه الذي قام بإعادة تركيبه بعد ٧ أكتوبر ، و بحيث يكون قد أعاد تركيب مداميك المنطقة على كيفه و تكون المنطقة قد اشتعلت و توسعت الحرب، و لم تبقـي و لم تذر . الامر الذي يدعو مجلس الامن لعقد جلسة طارئة وعاجلة، ويتخذ قرار بالأجماع علـى ان تقوم كل من الصين وروسيا واصدقاؤهم بإعادة تركيب منطقة الشرق الأوسط.
وهنا اتفق مع ما تفضل به الزميل ماهر ان درجة تورط واشنطن في المنطقة ترتفع يوما بعد يوم، ومعها دول شريكة ثانية، بما يؤشر على أن المشهد يتغير بسرعة، وقد تم بناء تحالف دولي عسكري في المنطقة ينفذ عمليات في كل مكان لحماية إسرائيل، مع انتهاج السيد بلينكن وزير الخارجية الأمريكي سياسة استاذه " المرحوم " هنري كيسنجر بشراء الوقت ، مع العمل على إدارة الازمة لا إيجاد حل لها . فيما رد الجماعات المحلية يبقى واردا، خصوصا، أن هذه الجماعات بالتأكيد أخذت احتياطاتها ومستعدة للهجوم الأميركي الذي قد يستمر لأيام أو لعدة أسابيع وفقا لمنطوق الأميركيين، وهذا يعني دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب في الشرق الأوسط، دون أي ضمانة أصلا بعدم تمدد الحرب خارج كل الحسابات وشمول إيران ولبنان أيضا.
تلك قراءة معقّدة للأحداث، أنها توضح لنا تشابك القضايا في المنطقة. الأمور تبدو معقّدة ومحتملة لمزيد من التصاعد. ومن الواضح أن هناك تحديات كبيرة تواجه المنطقة وأن أي تطور يمكن أن يؤثر بشكل كبير. السياسة الدولية ليست أمرًا سهلاً، وكل تحرك يحمل تأثيراته.
من الناحية الأمريكية، يمكن أن يكون تجنب توزيع الأزمة خارج غزة هو محاولة لتقليل تعقيدات الصراع والحفاظ على التحكم في الأوضاع. يمكن أن يعكس ذلك الحذر الرغبة في تجنب التوسع الإقليمي وضمان استمرار السيطرة على الأحداث في السياق الحالي.
تظهر هذه الديناميات أهمية الدبلوماسية في تهدئة التوترات والبحث عن حلول سلمية. بحيث تحافظ الولايات المتحدة على دور حيوي في تحديد السياق الإقليمي والتأثير على التطورات، ومن ثم قد تكون تركيبة حلول دبلوماسية هي الطريقة الأمثل لمواجهة التحديات الراهنة.
الوضع قد يكون معقدًا للغاية، ولكن الضمانات الدولية يمكن أن تلعب دورًا هامًا في تحقيق الهدنة. من الناحية النظرية، قد تقدم روسيا والصين كوسطاء دوليين ضمانات لدعم الجهود الدولية لتحقيق الهدنة في غزة. ومع ذلك، يتوقف ذلك على إرادة جميع الأطراف المعنية بالتعاون والتفاوض.
إذا كانت هناك إرادة من جميع الأطراف، يمكن أن تسهم الدول الكبرى مثل روسيا والصين بشكل إيجابي في توفير آليات للرصد والتنسيق للضمانات الدولية. ومع ذلك، يجب أن تتضمن أي ضمانات توقيع والتزام من جميع الأطراف وتحفيزًا قويًا للامتثال بالهدنة.
على الرغم من التحديات، إلا أن التعاون الدولي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في تحقيق الاستقرار والهدوء في المنطقة. و هذا ما سعى و يسعى له جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله .
أما فيما يتعلق بنتنياهو وحكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة، يمكن أن تكون هناك شكوك حيال إمكانية الالتزام الدائم بالهدنة. وقد تكون التحولات في القيادة أو الظروف الداخلية تؤثر على استمرارية الالتزامات.
لذلك، فيما يتعلق بالضمانات، يجب أن تكون هناك آليات فعّالة لرصد وتنفيذ الالتزامات من جميع الأطراف، مع مشاركة دولية قوية لضمان الامتثال. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون آليات التحكيم والوساطة الدولية أدوات هامة لتسوية النزاع وتحقيق استقرار المنطقة.
* مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me