الأمراض المرتبطة بالسلوك .. ما لها وما عليها
الدكتور مهند النسور
14-02-2024 11:15 AM
نظم مركز سواعد التغيير في البحر الميت ندوة نقاشية حول تحديات وعقبات تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية للمصابين والمتعايشين مع الامراض المرتبطة بالسلوك بما فيها الامراض المنقولة جنسيا والايدز ، في جو نقاشي انفتاحي ومسؤول جمع الخبرات المتنوعة من الخبراء والمعنيين من كافة المؤسسات الحكومية والتشريعية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية نوقشت فيها مواضيع بالغة الاهمية للمصلحة الوطنية في هذا المجال.
وهدفت الورشة النقاشية بمجمله الى تقييم الوضع الحالي من حيث التشريعات والمقومات الاساسية الوطنية وما هي الادوار والمسؤوليات تجاه هذه الامراض وحقوق المصابين بها، وكذلك هدفت ايضا الى التعرف الى اين وصلنا في التعامل مع هذه الامراض، و ما هي اهم التحديات التي تواجه جميع الاطراف المعنية بها لتدارس وضع خارطة طريق للحد من المرض من جانب وحماية حقوق المصابين من جانب اخر.
ان موضوع الامراض المرتبطة بالسلوك بما فيها الامراض المنقولة جنسيا والايدز بحلته الجديدة والمرتبطة بارتفاع السلوكيات التي تؤدي الى الاصابة، باتت تؤرق الكثير من الدول، وخصوصا عند الدول التي انكرت وجودها سابقا، اما تلك الدول التي تعمل على حل هذه المعضلة من خلال الاستغلال الامثل لبرامج الوقاية والتوعية والتثقيف وبناء القدرات والاستثمار في البحوث والكوادر المدربة وايجاد قواعد البيانات المبنية على الادلة في مجال الدعم السلوكي وتوفير ابجديات الوقاية حدت من انتقال العدوى وكسرت سلسلتها حتى في ظل السلوكيات المحفوفة في المخاطر، وهنا يجدر القول اننا لا نستطيع ان نمنع بالمطلق السلوكيات التي قد تؤدي الى الاصابة بهذه الامراض ، وانما من الواجب العمل على الحد من تبعاتها وايجاد ووضع الحواجز التي قد تؤدي الى انتقال العدوى.
وليس بغريب القول و بعد عقود مرت في مجال الوقاية و مكافحة الامراض المرتبطة بالسلوك بما فيها الامراض المنقولة جنسيا والايدز ، لا زالت هذه الامراض تشكل عبئا كبيرا على الحكومات و المجتمعات كونها ترتبط بمفاهيم سلوكية وما يتبعها من الوصمة و التمييز، ومن هنا فان الامر الملح الان هو عدم اغفالها من خطط الوقاية والتصدي للامراض على المستوى الوطني، وعدم التقليل ايضا من اثارها.
ان برامج التوعية وتعزيز الصحة والارشاد تعد من اهم البرامج التي اثبتت نجاعتها في الحد من انتشار هذه الامراض، لكنها قد تحتاج الى توليف وتوجيه وضبط لتلائم المرحلة الحالية في التعامل مع هذه الامراض وخصوصا في ظل وجود السلوك الالكتروني و انتشار ظاهرة المخدرات ، وهنا ياتي دور الحواضن الثلاث في المجتمع بدءا من الاسرة والمدرسة والمجتمع نفسه ، فاخفاق اي منهم يؤدي الى فشل الحواضن الثلاث في المجمل، ولا يفوتنا هنا ذكر الدور المحوري للاعلام المسؤول واهميتة في نشر وبث الرسائل الصحية التوعوية ضمن المعايير المعتمدة و اتاحة المجال لاصحاب الاختصاص فقط في اعداد مثل هذه الرسائل.
لا شك ان هنالك تحديات وعقبات في تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية للمصابين والمتعايشين مع الامراض المرتبطة بالسلوك، والتي تحتاج في المجمل الى وجود قوانين وتشريعات تمكينية تحدد اليات تقديم الخدمات لهم وانفاذ هذه القوانين والضوابط التشريعية بما يتلائم مع الهدف الذي تم استحداثها لاجله كتوفير تأمين صحي لهم وحقهم في العمل، ولا نستطيع استثناء المرضى من تركيبة المجتمع وحقوقهم في الحصول على العمل الكريم الذي يضمن لهم ولعائلاتهم سبل العيش الكريم مع ضرورة توعية اصحاب العمل لكسر حاجز الرهبة والخوف من المرضى وفتح ابواب العمل دون تحيز او تمييز وفقا لاسس و معايير واضحة.
ان الحق في الحصول على الخدمة الصحية هو من اهم الحقوق التي تسعى كافة الدول لتبنيها وماسستها وتضمينها في استراتيجياتها و خططها الوطنية، وان الامراض المرتبطة بالسلوك بما فيها الامراض المنقولة جنسيا والايدز لا تعفي الانظمة الصحية من ضرورة تامين الخدمات الصحية وعلى اعلى المستويات للمصابين في هذه الامراض، وان التعامل مع هذه الامراض يتطلب تضافر الجهود من جميع الجهات المعنية لتامين سبل العيش الانساني للمصابين بها، اذ ان جوانب الدعم النفسي والاجتماعي لا تقل اهمية عن الجانب العلاجي الدوائي، وهذا يتطلب سن وتفعيل القوانين والانظمة لتامين تقديم الخدمات الصحية دون اية حواجز اوعقبات.
تعتبر هذه الندوة خطوة استشرافية الى الامام و تشاركية يشكر عليها مركز سواعد التغيير من حيث دعوة اصحاب الخبرة و المعنين على كافة المستويات و الخبرات جنبا الى جنب و على طاولة نقاشية واحدة بما يخدم مصلحة الوطن العليا بروح التشاركية بين جميع القطاعات المعنية. وقد اظهرت هذه الندوة عمق العلاقة بين الجهات التشريعية والمؤسسات التنفيذية وابرزت دور المنظمات التطوعية ومنظمات المجتمع المحلي التي دأبت على التعاون والتشاركية جنبا الى جنب في التخطيط والتفيذ للوصول الى الرؤيا الوطنية المشتركة التي تعكس الحرص الوطني على حماية المجتمع وجميع ابنائه دون تحيز او تمييز.
* الدكتور مهند عبدالفتاح النسور/ المدير التنفيذي، الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية ( أمفنت).