لا شك بأنّ ما قدمه منتخبنا الوطنيّ الاردنيّ خلال مشواره نحو كأس آسيا لا يمكن ابدا تقييمه فقط بنتيجة المباراة النهائية , فهم ابدعوا وحطّموا كل التوقعات بأداء تاريخي قلّ نظيره و انتصارات مستحقه ظفر بها مؤخرا جعلته محط أنظار العالم و محورا للبحث و النقاشات, لذلك مجرّد وصولهم للمباراة النهائية يعتبر انجازا يفتخر به في عالم المستديرة .
وعلى الزاوية الاخرى يجب أن نسعى كعرب ألّا تجرّنا بعض الاصوات التي تخلّت عن الروح الرياضية و رحابة الصدر في عالم الرياضة نحو نزاعات اقليمية , فهل نحن بحاجة لاستثمار قديم جديد يزيد من فرقتنا في الملاعب الرياضية ؟، فالرياضة وُجدت للترفيه و الترويح عن النفس و الحفاظ على اللياقة البدنية و العقلية و تعزيز العلاقات و تبادل الثقافات و لم تُبتكر يوما لتكون سببا للكره و نشر الاحقاد و الشتائم , و خصوصا في شرقنا الاوسط الاكثر حزنا و ألمًا في العالم كلّه لا يجب أبدا اللعب على هذه الاحبال السوداء , فنحن احوج ما نكون للفرح أو بعضٍ منهُ , فلماذا نبحث في فرحنا عن منغّصات و مشوّهات له ؟ لم تعجبنا نتيجة , لم يرضينا أداء حَكَمْ , لم نأخذ حقنا من الحضور؟!.
كلّها اسباب تُحلّ بالنقاش أو بالقنوات الرسمية القانونية عبر المؤسسات و الاندية الرياضية , لا عبر الفضاء الالكتروني و "تدويل" الكرة لتولّد الكُره نحو الاوطان, لأنّه ببساطة متناهية و بدون أيّة تعقيدات , من يفوز اليوم يخسر غدا و العكس صحيح.. وحتى من لم يحالف منتخبه الحظّ فاز بثناء الجمهور ودخل دفاتر تاريخ الاداء الجيّد.. لذلك إن اردنا البحث عن الايجابيات نستطيع ايجادها.. ومن يريد خلق السلبيات سيجدها في عصفور يطير فوق الملعب !.
من الايجابيات التي يجب ذكرها , هي الاحتضان الرسمي و الشعبي لمنتخبنا في المباريات التي انتصر فيها , و بعد اعلان عدم النجاح و فوز الشقيقة قطر , فثقافة تشجيع الخاسر يجب أن تصبح عادة و سلوك في مجتمعنا , و بغض النظر عن الاستياء من التحكيم أو أيّة تفاصيل أخرى , هذه السياسة التشجيعية هي ثقافة حضارية يجب أن تتوافر في أيّ مجتمع يريد أن يصنع المواهب و يعظّمها , فالخسارة هي جزء أصيل من هذه الحياة تماما كالنجاح , فلو استقامت الحياة في نجاحات مستمرة دون عثرات , لن يكون للنجاح طعم مُميّز ومذاق حلو ما إن يتحقّق .
هذا النجاح الرياضيّ يجب أن يلفت الدولة إلى توسيع رقعة الدعم على كل الاصعدة , ليس بالرياضة فقط بل بالرياضة و الفن و الموسيقى و العلوم , ففي كل مرّة يذكر اسم الاردن دوليا و عالميا ننجح, فوطننا صغير وقد يكون بالموارد فقير , لكنّه بالتأكيد غني بعقول ابناء شعبه و المواهب التي لا يخلو بيت أُردني منها , فكم من بلد و مدينة كان الاردنيّ بها حجر الاساس إن كان بالتعليم أو بالصحة أو بالهندسة و العمارة , فقليل من الدعم و التشجيع المدروس قد يصنع العجائب , لذلك نتمنى نهضة فكرية حضارية وطنية ترفع اسم الاردن عاليا .
الشارع و البيت الاردني حزن كثيرا مؤخرا , و هذا أقلّ واجب من التضامن الشعوري نحو الاشقاء في غزة , و لطالما امتلأت الشوارع بالشعارات و المطالبات التي بها نتمنى الانصاف للاشقاء , أمّا هذه الأيام فنسرق بعض الفرح المنطقي الوطني الذي يحتم علينا التغني بأردننا و ابناءه في كل محفل, لا ننسى في منتصف الفرح الاشقاء, بل نعلم يقينا بأنّهم في وسط العتمة و الألم يفرحون لنا و يعلمون يقينا حبّنا لهم ..
فلمنتخبنا كل الحبّ و التوفيق و امنيات النجاح المتكرّر و التعلّم من دروس الماضي, على أمل تسطير نجاحات مستقبلية في كأس العالم , ولقطر الشكر الكبير على التنظيم ..