لو قبل الشريف الحسين بن علي – طيب الله ثراه – بما عرضه عليه الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى ، وخصوصاً بريطانيا ، في منح فلسطين إدارة خاصة ومنح الصهيونية إمتيازات في فلسطين على حساب العرب ، لكتب التاريخ بشكلٍ آخر في المشرق العربي، ولكن الشرعية الهاشمية بقيت راسخة والمفردة الهاشمية بقيت في خطابها ترى في فلسطين وحقوق العرب فيها وخصوصاً القدس الشريف طمأنينية عربية.
وفي التاريخ والحاضر ، بات في كل مكانٍ وأثر في القدس الشريف سمةٌ هاشميةٌ، ومسحة قدسية، صانتا وتصونان المدينة من دنس المحتل، على رغم الزمن الجاف فالدور الأردني الذي وضع ثقله السياسي والديبلوماسي في هذه اللحظة التي غاب عنها كثير من الأشقاء إلا تأكيد على أن الثابت هو "القدس " وحقوق العرب والمسلمين فيها، وأن المتغيرات وتبدلات الزمان العربي وربيعه وما بعده لا تغير في نفوسهم شيء.
ولنا من التاريخ روايات كثيرة ، فبالأمس ليس البعيد، وقبل أقل من قرنٍ من الزمن بويع الشريف الحسين بن علي – طيب الله ثراه – بالخلافة في عمان، وكانت هذه البيعة، والتي لم ينصفها المؤرخون بعد حق الإنصاف ، شاهداً على آخر المحاولات الصادقة لجمع شمل الأمة، وسد الثغرات والفراغات التي تركتها أحداث الحرب العامة الأولى.
وفي ذلك الزمان، الشبيه بزماننا ، كانت سوريا مقسمة إلى ثلاث دول وأكثر ، حيث دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين، وكانت الجزيرة العربية تعيش في مرحلة تحولٍ وكثير من دولها ما زال في طور التأسيس، وكانت الظروف كما ظروف هذه الأيام ، فبقيت عمان لوحدها آنذاك تقول القدس .. إذ كانت بيعة أهل فلسطين التاريخية ، ومن شتى مدنها للخليفة العربي الهاشمي ، وبقيت بيعة أهل القدس تحديداً شاهداَ على رسوخ الثوابت، وبقيت المواقف الهاشمية حاضرة، رغم كبر النوازل العربية.
فمن زمان الثورة والنهضة والثبات على عروبة الأرض كان الهاشميون ينادون بعروبة فلسطين، وفي زمان الملك المؤسس الشهيد ، فإن هذا الأمير العربي الجليل، بقي يرى في فلسطين طمأنينة، وفي عدة من خطاباته كان يذكر المسجد الأقصى وضرورة طمأنينيته .. إلى أن قضى شهيداً بالقرب من المسجد الأقصى وبجوار ضريح الشريف الحسين.
وفي زمان الحسين كان فصل مقدسي آخر ، من فصول البذل، على رغم النازلة التي سببتها خطابات المزاودة والإقصاء والأيديولوجيا التي تنكرت لكل شيء حتى أضاعت القدس ، ولكن الحسين بقي ثابتاً على موقفه في الإعمار .. وكانت للقدس في حياته مساحة بيضاء ، تواصلت حتى زمان عبدالله الثاني بذات الهمة، وبالثابت الذي لا يتغير ، فالقدس مفردة المبتدى والمنتهى في الخطاب الهاشمي
، وإذ تبدلت الحواضر وإنشغلت البلدان بغيرها من القضايا يبقى الغيث من عما ، وكأن عبقرية العربي تعرب عن نفسها بأن تسند دوماً الأحكام السلطانية والولايات الدينية لأهلها الشرعيين .. ليبقى الدور هاشمياً عند كل منعطفٍ أو تحولٍ نازلة، فالأردن قريب من فلسطين، ومقدساتها، وارضها، وناسها.
"الرأي"