معهد ستراتيجيكس ينشر ورقة تقدير موقف حول حرب غزة
11-02-2024 07:18 PM
عمون - نشر معهد ستراتيجيكس ورقة تقدير موقف بعنوان: حرب غزة: حسابات معقدة وهدنة صعبة وأفق غائب جاء فيها أنه مع دخول الحرب مرحلة شديدة الحساسية، وتعمقها بشكل بات يُثير قلق الوسطاء ودول الجوار، ويمتد لمختلف أطراف المجتمع الدولي، وهو ما ينعكس بشكل ملحوظ على المفاوضات بشأن الهدنة الجديدة المحتملة، ويظهر في مطالب وأولويات أطرافها وحسابات الوسطاء المُركبة، وهو ما يضع الحرب والهدنة في مسارات عدة تحاول هذه الورقة أن تستعرضها.
وتاليا ورقة التقدير كما نشرها المعهد، والتي جاءت بقلم الكاتب حازم سالم الضمور:
كثفت أطراف الحرب في قطاع غزة، والوسطاء والفاعلون من التصريحات حول المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل، عبر وساطة ثلاثية (قطرية ومصرية وأمريكية)، بشأن "هدنة جديدة محتملة طويلة الأمد"، قد تدخل حيز التنفيذ في أي وقت، حيث سلمت حركة حماس ردها حول "اتفاق الإطار" الذي صاغه الوسطاء الثلاثة إلى جانب مسؤولين أمنيين إسرائيليين في العاصمة الفرنسية باريس في 28 يناير 2024، وقد وصفت الخارجية القطرية ذلك الرد بـ "الإيجابي". لكن الرفض الإسرائيلي لجزء كبير من مطالب حماس، والزيارة المرتقبة لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز إلى مصر، تعكس حجم التعقيدات الكامنة في تفاصيل الهدنة؛ خاصة في أولويات أطراف الحرب المتناقضة من جهة، وحسابات الوسطاء المُركبة من جهة أخرى، وهو ما يضع الحرب والهدنة في مسارات عدة نحاول مناقشتها في هذا التقدير.
*الأولويات المتناقضة لأطراف الحرب
بعد أن دخلت الحرب شهرها الرابع، بخسائرها المتعددة وتعقيداتها الإقليمية، أصبحت المنطقة تتعمق في حالة عدم اليقين؛ من حيث موعد نهاية الحرب وشكل تلك النهاية واحتمالات توسع الصراع إلى الإقليم والمنطقة، وانتقال تداعياته إلى دول العالم التي تنظر للحرب على أنها بوابة للصراع المفتوح من جهة، ومن جهة أخرى تعتقد أنّ نهاية الحرب ستخفض فرص التوتر والتصعيد.
وذلك ينعكس بشكل ملحوظ في المفاوضات بشأن الهدنة الجديدة المحتملة، ويظهر في مطالب أطرافها وأولوياتهم.
فبالنسبة إلى إسرائيل؛ تزداد الضغوط الشعبية والدولية على الحكومة الإسرائيلية ومجلس الحرب، من أجل منح مسائل إطلاق سراح الرهائن لدى الفصائل الفلسطينية، وتخفيف المعاناة الإنسانية في قطاع غزة، الأولوية القصوى، فيما هناك اتفاق بين أطراف الحكومة، والإدارة الأمريكية على الاستمرار في الحرب حتى تحقيق أهدافها، وتحديداً تقويض قُدرة حركة حماس على تهديد إسرائيل، أو إدارة القطاع، ولذلك هناك تركيز إسرائيلي على إطلاق كافة الرهائن في أي هُدنة محتملة، وأي هدنة قادمة لا تأخذ ذلك في الحسبان، من شأنها أن تُقوّض صلاحيات مجلس الحرب وتفاقم انقساماته، ولذلك نجد أنّ الرؤية الإسرائيلية في "اتفاق الإطار" ركزت على قضيتي الرهائن الإسرائيليين والمساعدات الإنسانية من خلال هدنة تتكون من ثلاث مراحل، فيما المسائل الأكثر تعقيداً مثل وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار وفك الحصار ستكون قيد المباحثات أثناء سريان الهدنة، ويظهر ذلك في اتفاق الإطار كما يلي:
1- تقوم حماس في المرحلة الأولى (45 يوماً) بالإفراج عن جميع الرهائن من النساء والأطفال والرجال المرضى والمسنين، مقابل إفراج إسرائيل عن عدد محدد من الأسرى الفلسطينيين من غير ذوي الأحكام العالية، والسماح بتكثيف إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، والسماح ببدء أعمال إعادة إعمار المستشفيات، بالإضافة إلى انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية والسماح بعودة النازحين إلى غزة وشمالي القطاع، والبدء في مباحثات غير مباشرة بشأن المتطلبات اللازمة لإعادة الهدوء.
2- في المرحلة الثانية تقوم حماس بالإفراج عن جنود وضباط إسرائيليين أسرى مقابل قيام إسرائيل بالإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين يتم التفاوض بشأنهم.
3- تشمل المرحلة الثالثة الإفراج عن جثث القتلى الأسرى من الجانبين، والاتفاق حول المعابر وإعادة إعمار قطاع غزة.
أما بالنسبة إلى حركة حماس، فإنّ الأولوية في أي هدنة، لم تعد في مقدمتها المطالب التي نفذت لأجلها هجمات 7 أكتوبر، والمتمثلة في "تصفير السجون"، ووقف الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، بقدر ما باتت أولوياتها العودة في قطاع غزة لما قبل الحرب، خاصة فيما يخص انسحاب الجيش الإسرائيلي من مناطق انتشاره في الشمال والوسط والجنوب، وعودة النازحين إلى مناطقهم، والحفاظ على سلامة أراضي القطاع، ووقف إطلاق النار بشكل مستدام، وإن الموافقة على اتفاق الإطار دون الأخذ بهذه الملفات قد يُمثل خسارة استراتيجية للحركة، خاصة إذا ما أفرجت عن جميع الأسرى الإسرائيليين لديها، واستمرت الحرب بعد ذلك، ما قد يدفعها مستقبلاً للتنازل عن أصولها السياسية والعسكرية مقابل وقف إطلاق النار، وبدا ذلك واضحاً في رد الحركة على مسودة الاتفاق، حيث أدرجت فيها ما يلي:
1- اشتراط حركة حماس إدخال 600 شاحنة يوميا على الأقل من المساعدات والوقود بالإضافة إلى خيم ومنازل الإيواء خلال المرحلة الأولى، وعودة النازحين إلى شمال القطاع وجنوبه.
2- مطالبة حماس بإقرار خطة لإعادة إعمار قطاع غزة لمدة أقصاها ثلاث سنوات.
3- طالبت الحركة بإنهاء الحصار وبهدنة تامة ومستدامة، بالإضافة إلى توسيع الضامنين لتنفيذ الاتفاق باقتراح كل من تركيا وروسيا.
*الحسابات المعقدة للوسطاء
إنّ إضافة حركة حماس دولتين جديدتين لضمانة الاتفاق، إحداهما إقليمية تتمثل في تركيا، والأخرى دولية تتمثل في روسيا، عائد بالأساس لإدراكها الحساسيات الشديدة، والحسابات المعقدة والمتعددة لدى الوسطاء الحاليين وهم (مصر وقطر والولايات المتحدة)، حيث كل منها ينخرط في المفاوضات متأثراً بعوامل داخلية وخارجية.
إذ تدعم الولايات المتحدة استكمال الحرب لأهدافها، ولكنها في الوقت نفسه تسعى لإقرار هُدنة تتيح تحرير الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية، وتكثيف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتحاول أن تُوجه مفاوضات الهدنة نحو إرساء ترتيبات مستقبلية لقطاع غزة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية المقترحة ضمن حل الدولتين (وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية)، وذلك من أجل تقديم بايدن إنجازات سياسية تدعمه في حملاته الانتخابية، خاصة مع النتائج الإيجابية التي يُقدمها دونالد ترامب في الانتخابات التمهيدية، وكذلك لرفع الحرج عن موقف الإدارة الداعم لإسرائيل في الحرب أمام المجتمع الدولي والدول العربية الحليفة، بالإضافة إلى ما قد يُشكله ذلك من رافعة من مشروع التطبيع السعودي-الإسرائيلي، والذي كان ضمن الوعود الانتخابية لبايدن في حملته الرئاسية الأولى، وقد أكد بيان للخارجية السعودية أنه لا سلام مع إسرائيل دون دولة فلسطينية على 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
من جهة أخرى؛ فإنّ التصعيد الإقليمي الذي كانت واشنطن تخشاه منذ اندلاع الحرب، وانخراطها في صراع أو اشتباك أوسع بات أقرب من أي وقت مضى، خاصة بعد أن عمّق حلفاء إيران من هجماتهم ضد القوات الأمريكية، البحرية والبرية، وأدت إحدى تلك الهجمات إلى مقتل 3 جنود أمريكيين في قاعدة "البرج 22" على الحدود الأردنية-السورية، بالإضافة إلى محاولة استهداف البوارج الحربية الأمريكية في البحر الأحمر من قبل جماعة الحوثي بصواريخ مضادة للسفن، وهي المرة الأولى التي تتعرض بها البحرية الأمريكية لاعتداء في البحر الأحمر.
أما من جهة مصر؛ تضغط القاهرة على أطراف الحرب للقبول بالهدنة لتفادي الحرب على حدودها، والتي تُهدد بدفع نحو 1.3 مليون شخص يٌقيم حالياً في مدينة رفح بين قاطن ونازح، إلى التدفق نحو سيناء المصرية، ومن هذا المنطلق جاءت زيارة وفد قيادي من حركة حماس إلى القاهرة في 8 فبراير 2024 لمتابعة الهدنة المحتملة.
تنطلق مصر في موقفها من عزم الحكومة الإسرائيلية مواصلة الحرب وتعميقها في عمليات عسكرية في منطقة رفح الحدودية ونواياها للسيطرة على محور فيلادلفيا، تزامناً مع تنفيذ الطائرات الحربية الإسرائيلية سلسلة من الغارات والأحزمة النارية في المدينة، وتأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في 7 فبراير، على خطط الجيش لتوسيع العمليات والقتال في مركز الثقل الأخير وهو رفح، وسط تحذيرات دولية متصاعدة من اجتياحها.
وبالنسبة إلى قطر، فهي تواجه مزاعم إسرائيلية بالتساهل مع حركة حماس، إذ كشف تسريب صوتي بثته القناة 12 الإسرائيلية، بتاريخ 23 يناير 2024، وصف فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الدور القطري بأنه "إشكالية"، وقد استنكرت الدوحة تلك التصريحات المنسوبة لنتنياهو، إذ قال متحدث الخارجية القطرية ماجد الأنصاري "بدلاً من الانشغال بعلاقة قطر الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، نأمل أن ينشغل نتنياهو بالعمل على تذليل العقبات أمام التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن". وفي الواقع يُمكن قراءة جانب من التصريحات المتبادلة بين قطر وإسرائيل من زاوية معارضة الأطراف اليمينية في الحكومة الإسرائيلية استضافة الدوحة قيادات من حركة حماس في مقدمتهم رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، إذ ذكر نتنياهو في 27 يناير، بأنّ "قطر تستضيف قادة حماس، بل وتمولهم".
مسارات الهدنة المحتملة
في ضوء تعقيد وتشابك الأولويات لدى أطراف الحرب، والحسابات لدى الوسطاء، فإنّ التنبؤ بسريان الهدنة المحتملة، أو طبيعتها وكيفيتها أمر بالغ الصعوبة، وتبقى الاحتمالات مفتوحة على أكثر من مسار، كما يلي:
المسار الأول: تعثر المفاوضات
إنّ المفاوضات غير المباشرة بين طرفي الحرب قد بدأت مؤخراً مع إرسال حركة حماس ردها على "اتفاق الإطار"، والذي أظهر حجم الفجوات ما بين مطالبها ومطالب الطرف الإسرائيلي، وبشكل دفع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت للقول بأنّ رد حماس "صيغ بطريقة تجرّ إسرائيل على رفضه". وفي الواقع تواجه المفاوضات بين الطرفين مجموعة معقدة من التحديات، منها استمرار تلويح كل طرف بالحسم الميداني، وحاجة كل منهما لاستكمال الحرب حتى تحقيق أهدافها، خاصة بعد الخسائر التي تكبدتها، أو المكاسب التي تحققت وأصبح من الصعب لأي طرف أن يضحي بمكتسباته بالهدنة، وفي ظل التباين الجوهري في الأولويات، من حيث أنّ ما يتصدر القائمة عند أحد الأطراف، هو مرفوض تماماً عند الطرف الآخر، وبذلك فإنّ الهدنة المحتملة مُرشحة للتعثر، حتى وإن توصل الوسطاء إلى اتفاق، ومن شأن الاستمرار في الحرب أن يربط أي هدن قادمة بمعطيات ميدانية جديدة، بحيث يصبح الوسطاء بحاجة إطار تفاوضي جديد.
المسار الثاني: نجاح المفاوضات نحو هدنة دائمة
إنّ حدوث اختراق في مطالب الوسطاء العرب وحركة حماس بتحقيق هدنة مع وقف نار مستدام، أمر محتمل وقائم، إذا ما عزز الوسطاء ضغوطهم على أطراف الحرب للتنازل عن بعض مطالبهم، لا سيما مطالب حماس الرئيسية بانسحاب القوات الإسرائيلية أو اشتراط جدولة زمنية لإعادة الإعمار، وهذه الأخيرة هي مسألة شديدة التعقيد، من جهة توسيع الأطراف الفاعلة في المفاوضات لتشمل الدول المانحة، وحاجة ملف إعادة الإعمار إلى إطار زمني طويل الأمد قد يتعدى التفاوض بشأنه سنوات، كما تربط كل من إسرائيل والولايات المتحدة بين إعادة الإعمار والجهة المشرفة عليه، وتربطها أيضاً بقدوم إدارة جديدة للقطاع. ومن جهة أخرى؛ هناك الضغوط الأمريكية على إسرائيل للانخراط في ترتيبات الحل النهائي للقضية الفلسطينية والتي تربطها واشنطن بالمفاوضات وتسعى لفرضها على حركة حماس مقابل إعادة تأهيل القطاع للحياة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي منه. وبذلك فإن أي هُدنة تشمل على وقف مستدام لإطلاق النار، سيرافقها مفاوضات شاقة لإقامة الدولة الفلسطينية ضمن حل الدولتين.
المسار الثالث: التوصل لهدنة مؤقتة
إنّ تشدد أطراف الحرب بأولوياتها من الهدنة طويلة الأمد، يُمكن أن يحولها إلى مؤقتة، قد تُطبق خلالها المبادئ العامة في المرحلة الأولى من "اتفاق الإطار"، بحيث يتم إطلاق جزئي للرهائن الإسرائيليين مع الإبقاء على عدد من الأسرى العسكريين لدى الفصائل الفلسطينية، مقابل عدد آخر من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، إلى جانب إدخال المساعدات الإنسانية، ولكن بمجرد انتهاء الهدنة المؤقتة فإنّ الحرب ستستأنف.
وأخيراً؛ تبدو فرص المسار الثاني، حتى اللحظة، هي الأقل مقارنة بالمسارين الأول والثالث، خاصة بعد إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في الثامن من فبراير 2024 رفضه لمطالب حماس، وتجديد عزمه على القضاء الكامل على الحركة، وتوجيهه للجيش الإسرائيلي إلى "العمل في رفح"، مع "فتح ممر آمن للسكان"، وهو ما يزيد من فرص المسار الأول، خاصة في الاستراتيجية العسكرية التي يتبناها نتنياهو وقادة الجيش حول أنّ تشديد الضغوط العسكرية سيدفع حماس إلى الاستسلام والقبول بالشروط الإسرائيلية، ثم طرح إمكانية الهدنة بعد ذلك، لكن بشروط إسرائيلية جديدة.
لكن ذلك لا يعني أنّ فرص المسار الثالث انتهت، بل ربما يكون الموقف الإسرائيلي الأخير بوابة لذلك المسار لمنع تداعيات الهجوم البري الإسرائيلي على رفح من قبل الوسطاء، مقابل تقديم حماس تنازلات جديدة، وهو الأمر الذي يفسر سرعة الإعلان عن توجه وفد من حماس برئاسة خليل الحية نائب رئيس الحركة في غزة، لمواصلة محادثات وقف إطلاق النار مع المسؤولين المصريين والقطريين.