التهديد الإسرائيلي باجتياح رفح ودفع أبناء الشعب الفلسطيني فيها إلى الهجرة والذين تجاوز عددهم المليون والنصف مواطن، والذين هجرتهم إسرائيل من شمال ووسط القطاع إلى رفح بحجة أنها منطقة آمنة، يضع العالم أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية على المحك من جديد، فالسكوت على نية إسرائيل إجتياح رفح والقيام بمجزرة كبيرة هذا يعني أن هناك تواطؤ معها، وأن كل الذي نسمعه من استنكار لأفعال إسرائيل ما هو إلا ذر للرماد في العيون.
ما يجري في غزة منذ ما يقارب الخمسة شهور لم يرتق بنظر البعض في الع حتى يكون هناك تحرك فعلي على الأرض لردعها عن الاستمرار في حربها المدمرة على أهل غزة، وأن وصول عدد الشهداء إلى 30 ألف معظمهم من الأطفال والنساء إضافة إلى عدد مماثل من المفقودين ناهيك عن مائة الف جريح جراحهم خطيرة لا يستحق من كثير من النافذين في القرار الدولي التوقف عنده، كذلك تدمير أكثر من 80% من غزة، التدمير الذي لم يستثن مستشفى ولا بيتا ولا جامعة ولا مدرسة ولا جامعا ولا كنيسة، كل هذا ولا زال مجلس الأمن عاجز عن التحرك فعليا لإنهاء المأساة والحرب التي أصبحت تهدد المنطقة بكاملها.
عندما يقول الرئيس الأمريكي جو بايدن أن إسرائيل تجاوزت كل الحدود في حربها على غزة، وعندما يقول مسؤولون أمريكيون كبار أنه كان من الخطأ منذ البدائية تأييد إسرائيل بشكل مطلق في حربها ، وكذلك ما يقوله قادة دول كثيرة، هذا يشير إلى أن العالم بدأ يشعر بعمق الجريمة الإسرائيلية المستمرة على غزة، ولكن السؤال هل يتحول هذا الشعور إلى فعل على الأرض يردع الإسرائيليين عن الاستمرار بعدوانهم؟ أعتقد أن هذا لا زال بعيدا حتى اللحظة عن الواقع.
فاذا فحصنا أحداث الحرب منذ بدايتها كيف كانت تشتد التصريحات الدولية كل يوم ضد الإجراءات الإسرائيلية، فإنه كان بالمقابل تشتد الحملة على غزة على الأرض، ضاربة إسرائيل عرض الحائط بكل التصريحات وحتى التهديدات كذلك بالقانون الدولي، وإذا قسنا على ما حدث منذ 7 أكتوبر فإن اجتياح رفح واقع لا محالة، وأن الجريمة الإسرائيلية ستتوج هناك، إلا أن حجم المزجرة هذه المرة سيكون كبيرًا جدا، وأن خطر التهجير سيصبح واقعا أمام الغزيين، وأنهم ليسوا من حجر، ولا هم بالملائكة بل هم بشر لهم طاقة محدودة في التحمل وقد تحملوا ما لا يتحمله أحد عبر تاريخ العالم، ويجب أن لا يلومهم أحد إذا خرجوا بأبنائهم باحثين عن الأمان، ولا يطالبهم أحد بالتضحية، فقد ضحوا بما فيه أكثر من الكفاية، ولا يستطيع أحد المزاودة عليهم، وهم في النهاية بشر، وطلب الأمان عند البشر يتقدم على كل شيء، من أجل ذلك كله إذا كان العالم صادق فيما يقول، عليه أن يتحرك فورا لمنع إسرائيل من إحداث نكبة جديدة بحق الفلسطينيين في زمن يقال أنه زمن الحضارة وحقوق الإنسان والمساواة بين البشر.
وخطورة رفح إذا وقع المحذور هناك فإن اسرائيل ستشعر بنشوة النصر وتستدير إلى الضفة الغربية حيث تحمل نفس المشروع الذي تنفذه اليوم في غزة وهنا تكمن الخطورة علينا في الاردن ، لذلك يقاتل الملك عبدالله الثاني على الجبهات الدبلوماسية قتالا شرسا ليس فقط لحماية الغزيين بل لردع إسرائيل عن تهديد أمن الأردن من خلال المشروع الذي تحمله ضد الضفة الغربية ، وهذا رد على البعض الذي يقول أن الأردن يجب ألا يتورط كثيرا في ملفات القضية الفلسطينية ، لأنه عندما نقول أن مصلحة الأردن في حل القضية الفلسطينية مصلحة وطنية عليا ، يجب ألا يستنكر أحد من الذين يظنون أنهم يدافعون عن الأردن بعيونهم الرمداء .
كذلك إذا نجحت إسرائيل فيما تريده في رفح فإن نشوتها لن تقف عند الضفة الغربية بل ستتوجه إلى الشمال حيث حزب الله ، وهذا يعني أنها ستشعل حربا في المنطقة لا يعلم أحد ماذا ستكون نتائجها على العالم كاملا ، حيث أنها في منطقة حيوية استراتيجية مهمة لكل العالم .