بعد أسبوع طويل من المماطلة والتردد أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا ، ما سيخفض من قدرة القذافي على ارتكاب مذبحة بحق الشعب الليبي في مدينة بنغازي ، ولكن هذا الوقت الثمين الذي كسبه القذافي تمكن فيه من استعادة بعض المدن والمواقع الإستراتيجية من الثوار وبات في أفضل وضع عسكري وسياسي منذ بداية الانتفاضة.
واجب أي دولة تجاه مواطنيها هو تحقيق الأمن الشخصي والاجتماعي ومنح المواطنين فرص التنمية من خلال استثمار موارد البلاد لتحسين نوعية الحياة ، وقد فشلت دولة القذافي في تحقيق ذلك طوال 40 عاما وهي الآن تقوم بممارسة جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الليبي تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي. ولكن هذا التأخير في إصدار قرار مجلس الأمن يبدو أن اسبابه مختلفة عن الحالات السابقة من التردد وإذا ما صدقنا التصريحات الفرنسية والبريطانية والاميركية فإن الصين هي التي عطلت هذا القرار لفترة طويلة ، وفي النهاية اختارت الامتناع عن التصويت إلى جانب روسيا وألمانيا.
. لقد بدأت الصين بالتأثير الحقيقي في السياسة الدولية منذ العام 2009 عندما اتفقت مع الولايات المتحدة على تعطيل البرنامج الدولي للحد من انبعاثات الكربون والتي تسبب الاحتباس الحراري حيث اصبحت الصين هي المتسبب الأول في الانبعاثات في العالم ، ثم بدأت الصين في الدخول إلى دول آسيوية وأفريقية ذات موارد طبيعية ثرية من خلال اتفاقيات مع أنظمة فاسدة لاستغلال هذه الثروات النفطية بشكل أساسي وبدون مساءلة أو محاسبة من قبل المؤسسات الدولية هذا ما أعجب تلك الأنظمة الفاسدة حيث تقوم الصين بالاستثمار دون اي سؤال يتعلق بحقوق الإنسان ، وفي الأيام الماضية ربما تكو الصين قد هبت لمساندة نظام القذافي الذي أرسل للصين عدة رسائل صريحة لمنحها موارد نفطية هائلة في حال تمكن من التمسك بالسلطة في الأيام القادمة وأخمد الثورة الشعبية ضده.
ولكن ربما يكون الموقف الصيني مستندا إلى أبعاد استراتيجية دولية ومنها رفض قيام مجلس الأمن بفرض تدخل عسكري في شؤون داخلية في دولة تشهد إضطرابات سياسية ، حيث أن معظم شركاء الصين الاقتصاديين هي من تلك الطائفة من الدول وأن خيار الصين لم يكن لإنقاذ القذافي بشكل خاص بل وضع العراقيل أمام التدخل الدولي بشكل عام ، وهذا قد يظهر في حالات جديدة تبدو شبه مؤكدة في الاسابيع المقبلة. ولكن في نهاية المطاف قد يمكن لهذا القرار أن يخفف قليلا من وطأة المذبحة التي يخطط لها نظام القذافي ضد أبناء شعبه خاصة في بنغازي في حال لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل أسرع في حماية المدينة وسكانها من إجتياح كتائب ومرتزقة القذافي لها.
الهدف الأساسي الآن هو حماية حياة المواطنين في بنغازي ، وفي حال تمكن نظام القذافي من الاستمرار مؤقتا فمن المهم أن يكون معزولا عربيا ودوليا إلى أن يأتي وقت سقوطه الحتمي وبالحد الادنى من الأضرار للشعب الليبي الذي يستحق مستقبلا أفضل من الحاضر والماضي المظلم الذي عاش فيه لمدة 40 سنة تحت نظام حكم فاسد ومستبد أضاع ثروة البلاد في نزوات سياسية وعسكرية وأوقف الزمن في ليبيا منذ ستينيات القرن الماضي.
batirw@yahoo.com
(الدستور)