ما أعلنه مرصد كوبرنيكوس لتغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبي مؤخرا، من أن شهر كانون الثاني (يناير) الماضي سجل أكثر الأشهر سخونة على الإطلاق حول العالم مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، هو كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لما سيلاقيه البشر، وغيرهم من الكائنات، من أهوال مناخية هذا العام، وفي الأعوام القادمة، إذا ما استمرت درجات الحرارة بالارتفاع، في ظل عجز البشرية عن كبح جماح هذا الأمر، وهم السبب الأول لذلك بفعل جشعهم اللامحدود في استهلاكهم الجنوني للوقود الأحفوري، من نفط وغاز وفحم، وأنشطتهم الصناعية المناهضة للبيئة، وتأثيرات كل ذلك في زيادة مستويات الغازات الدّفيئة حول العالم، حتى تجاوز تأثيرها حاجز اتفاقية باريس، التي أبرمت في العام 2015، "والتي نصت على ألا تزيد درجات الحرارة حول العالم على 1.5 درجة مئوية كمتوسط طويل الأجل".
المصيبة أن حقيقة ما تقدم تأتي بعد أن أعلن المصدر نفسه، قبل أسابيع، أن الأرض سجلت في العام 2023 أكثر الأعوام سخونة في تاريخها الحديث، حيث بلغ متوسط درجة الحرارة العالمية 16.77 درجة مئوية.
هذا كله يعني منطقيا أن كوكبنا الأزرق دخل في منحنى خطير لارتفاع درجات حرارته، وأن وتيرة الكوارث الطبيعية، من موجات حرارة وجفاف وحرائق غابات هائلة وارتفاع منسوب مياه البحر بسبب ذوبان الصفائح الجليدية وفقدان تدريجي للحياة البرية، وتأثيرات كل ذلك على موارد المياه والإنتاج الزراعي والخدمات الصحية وغيرها الكثير، في مختلف أنحاء الأرض، ستتفاقم بشدة.
ولأن "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، كما يقال في الأمثال، فإن على حكومات وقادة العالم العمل بوتيرة صاروخية للوصول إلى الحياد الكربوني وصفر الانبعاثات المسببة لاحترار الأرض، بعيدا عن سياسات التسويف والمماطلة، وفق أجندة معلنة وآليات قابلة للتطبيق وجدول زمني محدد.
على البشرية جمعاء إيلاء الأمر الأهمية القصوى قبل فوات الأوان، واعتماد سياسات رفيقة للبيئة فعلا لا قولا فقط، وإن لم يكن الأمر كذلك، فستثور الأرض أكثر في وجوهنا جميعا، وقد يصل الأمر حد البدء بانقراض الكائنات الحية واحدة تلو الأخرى، وصولا بعد مئات، إن لم تكن عشرات السنين، إلى انقراض البشر أنفسهم! .
هذا ليس ضربا من الخيال إذا ما أمعنا النظر في توقعات الكثير من الجهات العالمية المختصة، ومنها التحليل الذي صدر الشهر الماضي عن منتدى دافوس العالمي، والذي حذر "من أن الكوارث الطبيعية الشديدة الناجمة عن تغير المناخ قد تؤدي إلى خسائر اقتصادية بقيمة 12.5 تريليون دولار، وفقدان نحو 14.5 مليون شخص بحلول العام 2050".
هذا إضافة إلى توقعات علماء بخسارة أصناف من النباتات مع ارتفاع درجات الحرارة القاسية، ومنها ما هو مهم بالنسبة لنا، مثل الموز والأرز والقهوة والبطاطا. تخيلوا عالما بلا هذه المنتوجات؟! ..
لا بد لنا أن نعي حقيقة أن الأرض ضاقت بنا ذرعا، وإن لم نرحمها ونحن الأضعف، فلن ترحمنا وهي الأقوى. وفي ذلك خلاصة القول والغاية.
"الغد"