في عصر يشهد تسارعاً ملحوظاً في التطورات التكنولوجية، ظهر مفهوم الذكاء الاصطناعي التوليدي بقوة، والآن يُسلط الضوء على فئة جديدة من الذكاء الاصطناعي تُعرف بالذكاء الاصطناعي التفاعلي (RAI). يُعتبر هذا المفهوم الناشئ وعداً بثورة في طريقة تفاعل الأنظمة الذكية مع الإنسان والعالم المحيط. تتفوق الأنظمة التفاعلية، باعتبارها تطوراً طبيعياً للذكاء الاصطناعي، بإمكانيتها على التأقلم والاستجابة بشكل ذاتي للتغيرات المحيطة دون الحاجة لتدخل بشري مباشر أو إعادة برمجة. في القمة العالمية للحكومات المقرر عقدها في دبي الأسبوع المقبل، سيُعرض كيف يمكن الاستفادة من هذه التكنولوجيا الفريدة.

تخيل برنامج دردشة آلي يعيد ضبط إجاباته استنادًا إلى التغذية الراجعة من المستخدمين دون أي تدخل بشري. هذا مثال بسيط على كيفية عمل الذكاء الاصطناعي التفاعلي، ولكن الإمكانيات تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. وفقًا لمعهد المستقبل اليوم، يشمل الذكاء الاصطناعي التفاعلي الوظائف الحاسوبية ذاتية التفاعل مثل تعلم الآلة، الرؤية الحاسوبية، والمعالجة الذاتية للغات البشرية، التي تستخدم في تطوير قدرات جديدة، تحسين العمليات، وجعل عملية صنع القرار أكثر فعالية.

الذكاء الاصطناعي التفاعلي لديه القدرة على إحداث تغييرات جذرية في مختلف القطاعات، من الرعاية الصحية إلى الصناعة، ومن التعليم إلى الخدمات المالية. يمكن لهذه التقنية تعزيز الكفاءة، تحسين الخدمات، وتوفير تجارب مخصصة بشكل غير مسبوق.

هناك تجارب مشتركة بين وكالة البحوث الدفاعية المتقدمة الأمريكية (داربا) ومؤسسات أكاديمية في الولايات المتحدة كشفت عن إمكانيات الذكاء الاصطناعي التفاعلي في تدريب الروبوتات على التأقلم والتفاعل بشكل ذاتي وفوري مع التغيرات المحيطة. سواء تعلق الأمر بتغير التضاريس، الأحمال والأوزان المتنوعة، أو التعامل مع أجسام ذات أشكال وأحجام مختلفة، أظهرت الخوارزميات قدرتها العالية على الاستجابة السريعة لهذه المتغيرات والقدرة على مواصلة عملية التعلم الذاتي بفعالية.

وايضاً شركة "جوجل" تتعاون مع "سكيل" المتخصصة في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي التفاعلي، حيث تعكف الشركتان على تدريب هذا النوع من الذكاء الاصطناعي والتحقق من دقة نتائجه لإنشاء أكثر من 20 أداة تفاعلية جديدة. هذه الأدوات، المصممة لتغطية مواضيع حيوية تخص الإنسان مثل النصائح الحياتية، التخطيط، والتعليم، من المنتظر أن تكون قادرة على الاستجابة بشكل فوري وتفاعلي لاستفسارات المستخدمين المتعلقة بالتحديات الشخصية، مقدمة المشورة والتوصيات استنادًا إلى سياق السؤال المطروح.

كما تقوم شركة "ديسكورد"، المعروفة بابتكاراتها الرقمية، أطلقت مشروع "ممرايز" الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي التفاعلي لتعزيز تعلم اللغات. روبوت المحادثة هذا، المدعوم بالذكاء الاصطناعي، يوفر دعمًا للمستخدمين لاكتساب لغات جديدة من خلال التفاعل المباشر والمحادثة الآنية. قادر على التحدث بـ 25 لغة عالمية، يقدم الروبوت تجربة تعليمية واقعية وعملية، مما يجعله يتفاعل ويتحدث بشكل يحاكي الواقع الإنساني في مختلف السياقات الحياتية.

في سياق العمل الحكومي، يمكن للذكاء الاصطناعي التفاعلي أن يلعب دوراً محورياً في تحويل الخدمات الحكومية، مما يسهم في تقليل البيروقراطية وتحسين تجربة المواطنين. من خلال تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي التفاعلي، يمكن للحكومات تسريع عمليات الموافقة، تخصيص الخدمات بناءً على احتياجات المواطنين الفردية، وزيادة الشفافية في العمليات الحكومية. على سبيل المثال، يمكن لنظام متقدم للذكاء الاصطناعي التعامل مع الاستفسارات والطلبات بكفاءة أعلى، وتحليل البيانات للتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية وتحسين صنع القرار.

مع ذلك، تواجه الحكومات تحديات مماثلة لتلك التي في القطاعات الأخرى، بما في ذلك الحاجة إلى تطوير إطارات عمل تنظيمية وأخلاقية تضمن الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي. من الضروري وضع سياسات تحمي خصوصية المواطنين وتضمن الأمان للبيانات، مع الاستفادة من الإمكانيات الهائلة لهذه التقنية لتعزيز الكفاءة والفعالية الحكومية.

يمثل الذكاء الاصطناعي التفاعلي فجرًا جديدًا للتكنولوجيا، حيث يعد بتحويلات عميقة ومستدامة في كيفية تفاعلنا مع الأنظمة الذكية، بما في ذلك تلك المستخدمة في الخدمات الحكومية. بالتعاون واستشراف المستقبل والابتكار المستمر والتفكير الرشيق، يمكن للمجتمع العالمي والحكومات فتح الإمكانيات الهائلة للذكاء الاصطناعي التفاعلي وتوجيهه نحو مستقبل أكثر إشراقًا وكفاءة.