الإعلام وتشريعاته في عهد الملك عبد الله الثاني المعزز
د. أشرف الراعي
08-02-2024 05:18 PM
منذ تولي جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية قبل نحو 25 عاماً، شهدت المملكة الأردنية الهاشمية نقلة نوعية في وسائل الصحافة والإعلام وتالياً التشريعات الناظمة لها، كان من أبرزها صدور قانون المطبوعات والنشر في العام 2007 الذي نص بشكل واضح وصريح على "عدم جواز حبس الصحافيين"، وهنا سأتحدث عن ذكريات شخصية؛ حيث تشرفت بأن أكون مندوباً صحافياً للديوان الملكي العامر لأكثر من 8 سنوات، اصطحب فيها جلالته الصحافيين في جولات ميدانية وكان الأشد والأكثر حرصاً على قرب الصحافيين منه، وفي ذلك اهتمام بهم كونهم كانوا وما يزالوا الناقلين الموثوقين للحقيقة.
أما في الشق التشريعي أو القانوني، فقد صدرت العديد من القوانين الناظمة للعمل الصحافي والإعلامي والتي شكلت نقلة نوعية في تكريس الحرية واقعاً، ومن ذلك صدور قانون ضمان حق الحصول على المعلومات الذي كان أول تشريع يصدر في هذا السياق، فضلاً عن صدور قانون الجرائم الإلكترونية الذي جاء ليترافق مع الثورة التقنية في وسائل الإعلام، ولينظم ما يمكن أن يتحقق من انفلات إعلامي أو صحافي من خلال هذه الوسائل، فكان ضابطاً وناظماً للممارسة السليمة لوسائل الإعلام المهنية، لا بل تعززت الحرية الصحافية والإعلامية أيضاً من خلال ظهور العديد من الوسائل الصحافية والإعلامية التي شكلت نقلة نوعية في عالم الصحافة والإعلام الوطني المبني على المصداقية والتطور والتقدم ومواكبة الحداثة.
لقد كانت الرؤية الملكية واضحة في تطوير الإعلام وتعزيز الحرية ومنع حبس الصحافيين أو الاعتداء عليهم، أو تطبيق أحكام عرفية بحقهم، والاحتكام إلى القانون في كل ما يتعلق بهم، لكن الحكومات بقيت لفترات طويلة "غائبة عن التقاط" الرسالة الملكية في ضرورة تعزيز دور وسائل الصحافة والإعلام باعتبارها الضامن الوحيد لوضع اليد على الجرح ومعالجة أية اختلالات؛ فالصحافة الحرة تضطلع بدور أساسي في الأنظمة الديمقراطية كونها توفر معلومات تتيح للمواطنين اتخاذ قرارات بشأن مستقبلهم السياسي.
كما يمكن لوسائل الصحافة والإعلام إلزام السياسيين بالرد على الجمهور والتركيز على موضوعات تهم عامة الناس بالفعل، ومن أبرزها التنمية المستدامة والنهوض بالسلام، وحقوق الإنسان، وضمان الحريات الأساسية، والمساواة بين الجنسين، ومحاربة الفساد، وتعزيز الشفافية، ومنع الاستقطاب، والعنف والحرب، لذلك يجب الدفاع بشراسة عن مكانة الصحافة الحرة التي لا يهيمن عليها الخوف، سواء على الإنترنت أو خارجه، مع ضرورة التزامها بالقوانين، والمُثل العليا للمجتمع.
وفي الأردن فقد نمت ممارسة السيادة السياسية وتطورت إلا أنها لم تكتمل ولم تصبح الأردن دولة سيدة في هذا المجال إلا بصدور دستور عام 1952؛ وفي هذا يقول أستاذنا البروفيسور محمد سليم غزوي إن "الدارس للنظام القانوني الأردني (دستور عام 1952) والقوانين المكملة له يجد بلا مشقة أنه أرسى أسس دولة ديموقراطية حكومتها ملكية نيابية برلمانية"، وقد تطورت هذه السيادة السياسية وتعززت بوجود رؤية ملكية تنظر إلى الحرية باعتبارها حجر الأساس منذ تسلم جلالته لسلطاته الدستورية واستمرت حتى اليوم.
لكن هذا التطور بالطبع لن يتوقف، وهو ما يحتاج إلى أن تقوم الصحافة بدورها على النحو الآتي:
- تقديم المعلومات بطريقة دقيقة وشاملة: حيث تقوم وسائل الإعلام بتغطية الأخبار السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، وتزويد الجمهور بالمعلومات المهمة التي تساعدهم على فهم المؤسسات الدستورية، ووظائفها، وأهميتها في الحفاظ على الديمقراطية، والحريات العامة.
- التحقق من الحقائق ومكافحة الأخبار الزائفة: إذ يساعد الإعلام في مكافحة الأخبار الزائفة، والتضليل، والتأكد من صحة الأخبار، والمعلومات التي يتم نشرها، كما يساعد على تحقيق الشفافية والمساءلة والثقة في المؤسسات الدستورية.
- الحفاظ على حرية الصحافة والإعلام: إذ تعد حرية الصحافة والإعلام حقاً أساسياً في المجتمعات الديمقراطية، حيث تسمح بتبادل الأفكار والآراء والمعلومات بحرية، كما يمكن للإعلام أن يساعد في الحفاظ على هذه الحرية، والتأكد من عدم وجود أي قيود غير مبررة على حرية التعبير، والصحافة.
- الإبلاغ عن الفساد والانتهاكات: حيث يمكن للإعلام أن يساعد في الكشف عن الفساد والانتهاكات المرتبطة بالمؤسسات الدستورية، والتأكد من محاسبة المسؤولين عنها، وهو ما يساعد في تعزيز المساءلة والشفافية والثقة في المؤسسات الدستورية.
وهو ما يسهم بمجمله في تحقيق المصلحة العامة، لكن وباعتبار أن المصلحة العامة تعمل على تحقيق مصلحة المجتمع فإنه – في المقابل - يتوجب على وسائل الصحافة والإعلام عدم نشر أية معلومات يمكن أن تضر بهذه المصلحة، وتقوض حكم القانون، أو الخروج عليه، أو الافتئات عليه بما يشكل خروجاً على مفاهيم الضوابط التي يجب الالتزام بها؛ وهي تعبر بحرية عن الآراء، والأفكار، والمُعتقدات في هذا المجتمع؛ حيث يشكل قيام الدولة بالممارسات التي تحقق المصلحة العامة شكلاً من أشكال السيادة؛ إذ تتمتع الدولة بالسيادة، وتستأثر بها ومعنى ذلك أن تكون لها الكلمة العليا التي لا يعلوها سلطة أو هيئة حتى تتحقق الرؤية الملكية ويتقدم الإعلام الأردني بفضل الرؤية الحكيمة لجلالة الملك... حمى الله الأردن وحفظ قيادته.