في وداع الزبون .. قنديلك في الهاشمية وضاء
د. سمر الشديفات
08-02-2024 10:41 AM
كلمة حق في وداع الأستاذ الدكتور فواز عبد الحق الزبون .. قنديلك في الهاشمية وضاء سواء حللت أو رحلت ..
مضت الأيام سراعا، بل مضت اعوام سمان محملة بالإنجازات التي كانت بمنزلة سنابل حبلى بالقمح، رباعية السنين مرت كأنها لحظات هاربة، وها هو العالم الجليل والقيادي النبيل الاستاذ الدكتور فواز الزبون رئيس الجامعة الهاشمية يترجل عن جواده، الذي أمضى و بنى أربعة سنوات بل رباعيات العطاء و الإلهام رئيسا للجامعة الهاشمية.
بدأت قصتي مع هذا العالم الجليل عندما كان يشغل منصب نائب رئيس جامعة اليرموك، وفي الوقت ذاته، كان لي الشرف بأنه اشرف على رسالة الدكتوراة في عام ٢٠١٩. وكنت قد أجريت معه حوارا صحفيا عبر صحيفة عمون، وكانت المقابلة فيما بيننا قصيرة في حسابات الزمن وخفيفة الظل كما نسمة الشمال على جدار الروح، ولكنها مقابلة مفعمة بالأحداث الجزلى والتفاصيل المثلى التي جعلتني أنتشي الفخر ممتزجا بالفرح ؛ لأنني أقابل عالما بالعلم متنعما وبالثقافة والأخلاق الطيبة مفعما، شعرت حينها وكأننا كنا نعرف بعضنا بعضا منذ فترات طويلة، حتى اكتسيت بالحظ الجميل أن أتبع آثاره وأنشر برفقته ، وكلي فخر، مجموعة من البحوث، فمجرد ارتباط اسمي كباحثة لا تزال تدرج بخطاها في مجال البحث باسمه شيء عظيم لي مدى الحياة.
الأستاذ الدكتور فواز الزبون لم يكن فقط عالما في علم اللغة، إنما وجدنا فيه الإنسان المتواضع كما السنبلة كلما امتلأت انثنت تواضعا، يتحلى بالأخلاق الرزينة والعقل بأفكاره الرصينة، هو شخص مؤثر، عندما تتحدث معه يدفعك إلى الأمام يغمرك بكلماته الممتلئة بالثقافة والدين والعلم، هو شخصية مغناطيسية جاذبة لا تنفك عنها إلا وقد تلفحت بعبقها .
تساءلت كثيرا ( ألهذه الدرجة أنا محظوظة ؟! ).
لم تنته قصتي إلى هنا، فقد أكرمني الله أن أعمل معه في الجامعة الهاشمية وكنت حينها مدرسة معلمين في الدبلوم العالي لإعداد المعلمين وهو يتبوأ كرسي الرئاسة في الجامعة، وأنا كأي شخص أول ما دار في خلدي : (هل من الممكن لرئيس الجامعة أن يستمر بالتواضع الذي عرفته به ويبقى على تواصل معي كما تعودت عليه؟).
ما أدهشني أنه زاد تواضعا, وكان القدوة والمحفز والمنتمي لهذا الوطن , ودونما مبالغة وجدت فيه المحب لوطنه، وكان دوما يكرر العبارة التالية : (نحن خُلقنا لنقدم لله وللوطن ومن لم يترك بصمة لخدمة هذا الوطن فهو ابن عاق).
شدني خلقه وحبه للوطن , وعند تسلمه رئاسة الجامعة كتبت مقالا يستحقه بامتياز وكان بعنوان: ( الرجل المناسب في المكان المناسب) فوالله ما قلته و ما كتبته لم يكن عبثا، بل كان بمعنى كل كلمة فيها يستحق ما قيل بحقه واثبت بجدارة انه الرجل المناسب.
وخلال فترة عملي كإعلامية بجانب كوني مدرسة معلمين في الجامعة الهاشمية، شهدت جميع الإنجازات و لا أستطيع أن أفردها هنا، فإن كل من مر في بقاع الجامعة الهاشمية في ٢٠١٩ ويزورها الآن سيلمس حجم الإنجازات والفروقات التي حققها هذا الإنسان الطيب الذي فاح عبق حبه في قلوب جميع من عرفه ومن عمل معه حتى الطلبة الذين كانوا يجدون فيه الأب الرقيق والأخ والصديق.
لله درك عالمنا الجليل الدكتور فواز الزبون !! (ما الذي بينك وبين الله ؟!) ليجعل كل من عرفك وعمل معك يحبك ويحترمك ويجلك ويقدرك كل هذا التقدير.
إنجازاتك في كليات الطب والعلوم والتربية والآداب والهندسة والتمريض والسياحة والموارد الطبيعية، جميع الكليات دون استثناء ستبقى شاخصة إلى يوم الدين، وسيبقى الأجر والثواب لك، لم تتوان يوما عن تقديم أفضل ما لديك، و كوني كنت الإعلامية المطلعة عن كثب، كنت أيضا شاهدة على جميع إنجازاتك التي توالت على الجامعة حتى غمرت جنباتها وكانها ينبوع ماء عذب لا ينتهي فيضه .
تتلعثمُ الألسن، تتبعثرُ الحروف .... فماذا عساني أن أقول :
السيل يغدو ضاحكا مستبشرا .... ودموع العين تستحي أن تنطق
لو كان بالقلب ألمٌ ملجلجٌ .... فسلوتي عندما نراك تشرقُ
عالمنا الجليل ، لقد وجدنا فيك صدق القول، وحب العمل، وتوجيها صادرا من القلب، وتواضعاً في المعاملة، دفعنا كل ذلك إلى احترام شخصك، وزادنا معرفة بنفاسة جوهرك.
واليوم أيها الفارس، ها أنت تترجل عن صهوة جوادك في ميدان العمل الوظيفي. وكلي أمل أن تمتطي صهوة جواد أقوى من سابقه في ميدان الحياة، لأنه ميدان فسيح لا يقطنه إلا قوي الشكيمة، شديد المراس، وأنت أكبر من ذلك لما عرفناه عنك من قوة وجلد صبرك وقبولك التحدي تلو التحدي دون كلل أو ملل، تخرج من نجاح إلى نجاح أكبر إلى أن انتعشت الجامعة بما قدمت من عمل دؤوب مكلل بصدق النية.
المدة التي جمعتني بك لها الأثر البالغ في نفسي، صنعت إنجازات لا زالت تتغنى بك، وتركت أثرا طيبا طالما اعتدناه منك. تواضعا وإخلاصا في العمل، وتعاونا بلا حدود، و روح الفريق الذي عرفناه فيك، هو شعارك الذي كنت تردده في كل اجتماع ومناسبة.
عالمنا الجليل المحب للوطن، كم من صفات رسمت معالمها، وشيدت صروحا بعطائك المتميز وإبداعك المبهر، وشخصيتك الحكيمة المتزنة، وسواعدك البناءة. تشجيعك كان لكل من يلقاك دافعا للسعي والكد والبحث لتحقيق الأفضل، كيف لا وأنت مصنع الفرص والإنجازات فنعم الرجل أنت.
لن نقول وداعا، فأنت في قلب الجامعة، بصماتك محفورة في كل قسم من أقسام الجامعة وفي كل غرفة صفية كلؤلؤة تسكن في قلب محارة، ولن يكون من السهل علينا أن ننساك، وقد كان يقال :
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
لكنني أقول: سيبقى قنديلك وضاء طول العمر .
ختاما، ندعو الله من أعماق قلوبنا أن يوفقك في قادم حياتك، وأن يطيل في عمرك في الخير، وأن يكون القادم خيرا غزيرا ، تعتلي فيه صهوة أعلى ، وكان ذلك على الله يسيرا .
شكراً لكم بحجم الكون .