في ذكرى معجزة الإسراء والمعراج
فيصل تايه
06-02-2024 11:52 PM
تفيض مشاعرنا هذه الايام بمناسبة نبوية مباركة ، تخص نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- سجلها الله -عز وجل- في كتابه العزيز هي "ذكرى الاسراء والمعراج" ، فكان في ذلك علو شرف منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه عز وجل ، وهي برهان ان نبينا أسرى وعرج بروحه وجسده الشريف إلى سدرة المنتهى ، فأراد الله أن يريه من آياته في الأرض وآياته في السماء ، بتأكيد المشاهد الكبرى التي رآها في تلك الليلة العظيمة ، ولقائه بالأنبياء والمرسلين ، ما يثبت أنه إمام الأنبياء والشهيد على الشهداء ، وجاءت ببركة بيت المقدس وربطه بالمسجد الحرام ، فكانت تعويضاً وتكريماً للرسول صلى الله عليه وسلم من الله عزّ وجل، وتهيئة له للمرحلة القادمة لما بعد الهجرة .
إن اختيار الله أرض المسرى لتكون منطلق المعراج لم يكن سوى إشارة إلى بقاء اتصال الأرض بالسماء ، فالقدس هي بوصلة البشرية التي تحيي الضمير في قلوب البشر، وهي معراج الشهداء ومهبط الوحي الأول وأرض الرباط لجند الله المخلصين ، لذلك ، فان "معجزة الإسراء والمعراج" لم تكن عبرةً منتهيةً المفعول بانتهاء حدثها، ولكنها ما زالت ماثلةً في الأذهان ، وما زالت مؤهلةً لإفادة الأمة في قضاياها بما تحويه من دروس عملية كثيرة تحتاج منا للمدارسة والعبرة والاقتداء .
ان ذكرى الإسراء والمعراج تحمل في مضامينها القيم النبيلة والعبر الجليلة ، والمتمثلة في الصبر على الشدائد والإيذاء والتسامح ، فكم نحن بحاجة إلى أن نتدبّر تفاصيلها لنزداد إيمانا وتوكلا وتفاؤلا ، وكم نحن بحاجة إلى نعود إلى اليقين لنثبّته في نفوسنا ، وهذا ما نحتاجه هذه الأيام ، فمن أرض الرباط والصمود والصبر الطويل سيأتي النصر والحرية لكل أهل الأرض ، ذلك هو "السند السماوي" الذي يتنزل من السماء إلى أرض المعراج ، فالباب إلى السماء ما يزال مفتوحا حتى الساعة ، له ذات الهدف الأسمى وهو سند الله للضعفاء ونصرتهم فهم الغالبون .
اننا وحين نتأمل في (الإسراء والمعراج) نجد أنها رسالة سماوية لأهل فلسطين بأنه مهما أُغلقت أبواب الأرض فباب السماء لا يُغلق، ومهما طالت الشدة والابتلاء ، ومهما عظم الابتلاء فسيكون الفرج والتمكين باذنه تعالى ، فهذه الذكرى "المعجزة" تاتي هذا العام ، وعدوان الاحتلال في تصاعد مستمر على اهلنا في غزة والضفة الذين هبوا لنجدة المسجد الأقصى المبارك ، والوقوف ضد محاولات الاقتحام والتدنيس والتقسيم الزَّماني والمكاني ، والحفريات وطمس المعالم ، وتغيير الحقائق التاريخية، فكم من جرائم اقترفها العدو ومستوطنيه ضدّ المصلّين والمرابطين فيه، عبر القتل والتهجير والاعتقال والإبعاد .
أن هذه الذكرى تأتي أيضا من أجل تذكير الأمَّة العربية والإسلامية، قادة وحكومات، شعوباً ومنظمات، بواجبها ومسؤوليتها التاريخية في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، ودعم المقدسيين والمرابطين ، فمايحدث في المسجد الأقصى هو إهانة لكل الأمة، وأن الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك فريضة شرعية وضرورة وطنية وإنسانية، فقضية فلسطين والقدس هي قضية الأمة المركزية وقضية العقيدة والهوية والعزة ، وستبقى متمسكين بوعد الله عز وجل بتحرير المسجد الأقصى المبارك .
واخيرا ، لنتذكر هذه المناسبة ونتعلم منها التفاؤل والعمل الصالح وحسن التوكّل على الله تعالى ، ولنتعلّم في هذه الأيام كيف يكون الإيمان دافعا للتقدّم ، وحافزا للعمل ، ومشجّعاً على الأخذ بالأسباب ..
بقي ان نرفع اكف الضراعة إلى الحق جلّ وعلا ، وكما قال نبينا العظيم :
«اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك»
أعاد الله ذكرى الإسراء والمعراج على الأمتين العربية والإسلامية بالخير والبركة.