عمون - على مر الزمان، تعددت الفنون الداعمة للقضية الفلسطينية، بدءًا من كتابة الروايات والمسرحيات، مرورًا بتأليف الأغاني والأهازيج والإبداع بالرسومات الفنية والكاريكاتيرية، وختامًا بأفلام الشاشة الكبيرة التي تجسد الرواية الفلسطينية بأحقية الشعب الفلسطيني بالدفاع عن أرضه السليبة، وترجمة معاناته والجرائم التي ترتكب بحقه. ولقد نجحت السينما وأفلامها أيّما نجاح في هذه المهمة. فالشاشة الكبيرة بجميع عناصرها قادرة بطريقة ساحرة ودقيقة على رسم حيثيات حياة الشعب الفلسطيني، وذلك بجمعها للفن والواقع والرمزية والخيال والأمل والتغيير.

ولقد ظهر هذا الأمر جليًا خاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر، حيث زادت حاجة الأفراد -ولا سيما غير العرب- لمعرفة الرواية الحقيقة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ذلك عملت المنصات الترفيهية المعنية بمشاهدة الأفلام والمسلسلات سواءً كانت عالمية أو محلية، عربية أو أجنبية على عرض الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية وجسدت حياة شعبها المنكوب؛ ولقد كان المحتوى الذي قدمته المنصات الأجنبية أكبر من ذلك المطروح على المنصات العربية، بينما كانت المنصات المحلية كانت هي الأكثر دعمًا للقضية.

في هذا المقال سنتناول أهم الأعمال السينمائية التي تناولت القضية الفلسطينية، مع تسليط الضوء على أبرز المواضيع التي تطرقت لها، إلى جانب ذكر أشهر المنصات التي عرضت عليها هذه الأفلام.

حضور خجول على Apple TV وشاهد

وعلى الرغم من الحضور القوي الذي تحظى به أفلام القضية الفلسطينية على منصتي نيتفلكس العالمية واستكانة المحلية، إلا إن الأمر يختلف على منصة Apple TV الأمريكية وشاهد السعودية. إذ من ممكن وصف الأعمال الفنية الفلسطينية على هاتين المنصتين بالشحيح. فالمحتوى المناصر للقضية الفلسطينية على منصة شاهد يضم "الأفلام الوثائقية" لا يتجاوز عددها أصابع اليدين وعدد شحيح من الأفلام.

فعلى سبيل المثال: يُعرض على منصة شاهد الوثائقي "في ذكرى أوسلو.. أين فلسطين" الذي يبحث في النتائج التي حققتها اتفاقية أوسلو بعد مرور ربع قرن على توقيعها، بالإضافة إلى الوثائقى "القدس: جوهر الصراع والمواجهة" الذي يقدم نظرة على رمزية مدينة القدس المقدسة في المواجهة الفلسطينية ضد الصهيونية، أما الوثائقي "وعد بلفور: أصل الشرور" فيكشف الخطوات الأولى التي اتخذها الغرب لإقامة دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

كما يروي الوثائقي "عائدون: قصة النكبة" تاريخ النكبة الفلسطينية في 1948 ويعرض أبعاد مبدأ حق العودة، ويعرض الوثائقي "الجدار العنصري: أوصاف عديدة وهدف واحد" آراء ونقاشات مجموعة من الخبراء القانونيين والباحثين عن أبعاد جدار الفصل العنصري في فلسطين والدور الذي يلعبه في تعزيز استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي. ويتناول الوثائقي "50 عامًا على النكسة" تاريخ النكسة احتلت إسرائيل في العام 1967 شبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان.

وفي سياق الأعمال الروائية، تعرض شاهد على شاشتها 3 أعمال فنية، فيلم "عمر" وفيلم "صالون هدى" للمخرج هاني أبو أسعد، بالإضافة إلى مسلسل "التغريبة الفلسطينية" إخراج حاتم علي.

وإذا ما انتقلنا منصة Apple TV فسنجد أن المحتوى الفلسطيني أقل مما هو عليه في منصة شاهد، حيث تعرض منصة Apple TV الفيلمين اللذين يتم عرضهما على شاهد بالإضافة فيلم "200 متر" إخراج أمين نايفة الذي حاول تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين في ظل جدار الفصل العنصري انطلاقاً من تجربةٍ عاشها خلال طفولته، ولا تزال محفورة في ذاكرته. بالإضافة إلى فيلم "الجنة الآن" للمخرج الفلسطيني للمخرج هاني أبو أسعد.

إن هذا الوجود الفلسطيني على هذه المنصات العالمية والمحلية يشكل عالمًا مرئيًا يتفوق على الواقع، حيث يتيح للمشاهدين فهمًا أعمق وأوسع للتجارب والقضايا الفلسطينية. وبهذه الطريقة، تتحول هذه المنصات إلى وسيلة قوية لتشكيل ونقل الصورة الفلسطينية عبر الحدود، وتعزز بذلك التواصل الثقافي والفني بين الثقافات المختلفة.

أكثر من 36 فيلما فلسطينيا على نتفليكس

بعد أن سيطرت إسرائيل على سردية الأحداث في جميع المنصات والشاشات، ها هي شركة الترفيهية الأمريكية الأولى في العالم "نتفليكس" تبث على شاشتها أكثر من 36 فيلمًا فلسطينيًا؛ لتحقق بذلك أكبر وصولًا وأوسع انتشارًا للرواية الفلسطينية أفلامها. من ضمن هذه الأفلام، مجموعة "قصصٌ فلسطينية" التي أطلقت في أكتوبر 2021 مكونة من 32 فيلما، إذ تحتوي المجموعة أفلامًا مميزة حائزة على جوائز دولية، كفيلم "عودة رجل" بجائزة "الدب الفضي" في برلين، للمخرج الفلسطيني الدانماركي مهدي فليفل، وفيلم "الهدية" للمخرجة الفلسطينية البريطانية فرح النابلسي الحائز على جائزة أفضل فيلم بريطاني قصير في حفل توزيع جوائز بافتا، وفيلم المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد "الجنة الآن" الفائز بجائزة جولدن غلوب لأفضل فيلم أجنبي.

بالإضافة إلى فيلم "كأننا عشرون مستحيلًا" إخراج الفلسطينية آن ماري جاسر، وهو أول فيلم قصير من العالم العربي يتم عرضه لأول مرة في مهرجان كان السينمائي بفرنسا، كما وصل الفيلم إلى التصفيات النهائية في جوائز الأوسكار، فضلا عن فوزه بجائزة أفضل فيلم في عدة مهرجانات منها مهرجان "بالم سبرينغز" السينمائي الدولي، ومهرجان شيكاغو السينمائي الدولي.

إذ تحكي جميع هذه الأفلام الفلسطينية المختارة قصصًا حقيقية للفلسطينيين، سواء كانوا يعيشون في الأراضي الفلسطينية أو هاجروا من بلادهم بسبب عدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. حي صرحت نتفليكس في بيان أصدرته على موقعها الإلكتروني، إن إطلاق هذه المجموعة يأتي في إطار استمرار نتفليكس في الاستثمار في القصص المميزة من العالم العربي، فعرض مجموعة أفلام بعنوان "قصصٌ فلسطينية" هو تكريمًا للإبداع والشغف في صناعة السينما العربية.
ومن بين الأفلام المعروضة أيضًا، فيلم "فرحة" للمخرجة الأردنية دارين سلّام، الذي أثار حملة غضب واسعة لدى الجانب الإسرائيلي، فعدا أن الفيلم يخاطب المشاهد الغربي، فهو أيضًا يدحض الرواية الإسرائيلية التي تم ترويجها على مدى السنوات الماضية، ويكشف جانب من جرائم العصابات الصهيونية عند احتلالها للأراضي الفلسطينية، من قتل جماعي وتشريد، والتنسيق بين قوات الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية.

إذ حقق فيلم "فرحة" شهرة كبيرة بعرضه على شاشة نتفليكس، وحصد مجموعة 5 جوائز عربية ودولية، أبرزها جائزة لجنة التحكيم في مهرجان مالمو للسينما العربية 2022 بالسويد، وجائزة أفضل فيلم أورو متوسطي يتناول قضايا المرأة في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة 2022 بمصر، كما حصل الفيلم على جائزتي أفضل مخرجة وأفضل ممثلة من مهرجان أسوان الدولي، وحاز على جائزة تقديرية خاصة من لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2021 بالسعودية.

إن عرض الأفلام الفلسطينية إلى منصة نتفليكس، الرائدة عالمياً، يشكل تحولًا هامًا في تمثيل الواقع الفلسطيني ونشر روايته. كما يظهر هذا التحول نوعًا من المقاومة الرؤية الإسرائيلية الأحادية التي اعتمدتها إسرائيل على مر العقود لصياغة روايتها المشوهة والمزوّرة للأحداث.

تواجد قوي وبث مجاني للأفلام الفلسطينية على منصة استكانة الأردنية

تعرض المنصة الأردنية "استكانة" أكثر من 57 عنصرًا فنيًا فلسطينيًا متنوعًا، ما بين بين الأفلام الروائية، الوثائقية، المسلسلات، والمقابلات. مسهمةً في دعم صناعة السينما العربية بشكل عام والمحتوى الفلسطينية بشكل خاص على مستوى عالمي.

من بين الأعمال الرائدة التي تعرضها المنصة، تشمل أفلامًا قصيرة وطويلة مثل "أحلام المنفى" و"هذه صورتي وأنا ميت" و"جنين جنين" و"رجل عاد" و"رحلة في الرحيل" و"غريبة في بيتي القدس" و"زخاريف" و"ناجي العلي فنان ذو رؤيا" و"خمس كاميرات محطمة" إلى جانب مجموعة واسعة من الأعمال الأخرى التي تثري محتوى المنصة وتسهم في تعزيز حضور الإبداع الفلسطيني على المنصات الرقمية.

حيث تحكي جميع الأفلام الفلسطينية المختارة قصصًا حقيقية للفلسطينيين، سواء كانوا يعيشون في الأراضي الفلسطينية أو هاجروا من بلادهم بسبب عدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وفي سياق التزام المنصة بنشر الفن والثقافة الفلسطينية، توفر استكانة جميع الأعمال الفنية الفلسطينية مجانًا، بهدف الوصول لأكبر عدد ممكن من الجماهير وتعزيز التوعية بالرواية الفلسطينية. كما يأتي ذلك في سياق التصدي لأكاذيب الاحتلال الصهيوني، عبر حربه الإعلامية التي يمارس فيها التعتيم على جرائمه، في محاولته لكسب تأييد دولي.