مشروع الناقل الوطني للمياه .. الى أين؟
م. إبراهيم احمد حياصات
04-02-2024 03:03 PM
أظهر الاردن، ومنذ اليوم الاول للاحداث الجارية في غزة والضفة الغربية ادراكاً للتغيرات الجيوسياسية المقبلة على المنطقة وبنى مواقف تشير بمجملها الى وجود استراتيجية وطنية لتتعاطى مع التغيرات المرتقبة ومع اعادة صياغة العلاقات البينية لدول المنطقة. وارتكزت هذه الاستراتيجية، الى جانب البعد السياسي، على الاستفادة القصوى من مواردة الذاتية وتأمين الاحتياجات الضرورية لغايات التنمية واحتياجات المواطنين وتحديد الاولويات والتي تشكّل المياه اولوية متقدمة من تلك الاولويات.
وعند الحديث عن المصادر الحالية والمستقبلية للمياه، فإن موضوع مشروع الناقل الوطني يقفز دائماً في مقدمة الحلول لمشكلة المياه نظراً لأهميته في الامن المائي الاردني والذي ازدادت أهميته في ظل التغيرات الاقليمية للمنطقة كما ذُكر سابقاً، ولذلك اصبح هذا المشروع أولى الاولويات الوطنية التي لاتحتمل اي تأخير ويتوجب الاسراع في إنجازه.
وبعد مخاض زاد عن عشر سنوات، وبعد جهد دؤوب وعمل شاق على مدى الثلاث سنوات الاخيرة، وتقديم عرض واحد لتنفيذه في شهر كانون الاول 2023، ازداد الأمل بان يرى مشروع الناقل الوطني للمياه النور. وسيمثّل المشروع عند تشغيله شريان حياه اساسي ومصدر رئيسي للتزويد المائي لكافة المحافظات ومساهماً مهماً في التنمية. ناهيك عن الفوائد العائدة على الاقتصاد الوطني خلال فترة التنفيذ بما يحتاجة من كفاءات مهنية وايدي عاملة وتوفير فرص عديدة لشركات محلية تمثل قطاع المقاولات وسلاسل التوريد وغيرها.
ولا يساورنا الشك بأن هناك فرصاً حقيقية للوصول الى اتفاق مع المطوّر المتقدم للمشروع بسبب توفر الارادة السياسية لإنجاز المشروع من خلال متابعة مستمرة من جلالة الملك وحرصة على تنفيذه. ومع الإدراك بأن هذا المشروع الوطني الهام يمر بمرحلة هامة وخطيرة من مراحله، تتمثل في اجراء المفاوضات مع صاحب العرض الوحيد للاتفاق على المواضيع الفنية والتعاقدية والمالية والتي ستحكم حقوق الاطراف وشروط التعاقد وما سيكلف الاردنيين خلال الخمسة وعشرين سنة القادمة، ومع توفر هذه الارادة السياسية الهامة ومن اعلى المستويات في الدولة، فإنه تقع على عاتق الاجهزة التنفيذية الحكومية وخصوصاً في وزارة المياه والري مسؤولية كبيره في الحرص على اداء يليق بمستوى هذا الدعم ويحافظ على حقوق الدولة من خلال ضرورة وجود كوادر فنية بخبرات استثنائية وبمستوى متميز ترقى الى اهمية المشروع وحجمة وضرورته. ولا اعني هنا الجهاز المخصص من قبل استشاري المشروع والبالغ عدده سبعين فنياً ومختصاً ( كما اُعلن)، بل اعني ممثلي الحكومة متمثلة بوزارة المياه والري كمالك للمشروع.
ان المرحلة التي يمر بها المشروع هي مرحلة معقدة وشائكة تقتضي وجود خبراء يمثلون الحكومة في عمليات التفاوض والتعاقد على مثل هذه المشاريع وبدعم فني تفصيلي من الخبرات والكفاءات التي يقدمها القطاع الخاص من خلال الشركات الاستشارية. وهذه الخبرات غير متوفرة حالياً في في وزارة المياه والري، وخصوصاً في وحدة الناقل الوطني والذين لا يتجاوز عددهم اصابع اليد. إن نقص الكوادر المؤهلة، وربما عدم وجود اياً منها في الوزارة (مع شديد الاحترام لشخوص العاملين فيها)، إضافة الى التغييرات التي تمت من استبدال مدير الوحدة الذي تابع المشروع لما يزيد عن ثلاثين شهراً وتعيين مدير آخر له خبرة مشابهه لمثل هذا المشروع ليقدم استقالته بعد حوالي شهر من تعينه، لينذر بوجود نقص وخلل في إدارة المشروع يؤثر بالتأكيد على مخرجات التفاوض وعلى شروط التعاقد، وحتى مع وجود دعم من الشركات الاستشارية والتي تفتقر الى خبراتها في العمل الحكومي وفي العمل العام، وهذا يتطلب تحرك الحكومة بشكل عاجل لمعالجة الخلل، قبل فوات الاوان، والذي ارآه من خلال تشكيل لجنه وزارية توجيهيه عُليا لإدارة المفاوضات ومتابعة كل ما يتعلق بالمشروع وإدارته (ربما برئاسة دولة رئيس الوزراء) ومشاركة خبراء من الوزارات على المستوى الفني، مثل وزارة المالية والاستثمار والتخطيط والاشغال العامة وغيرها.
ويبقى هذا المشروع الوطني الهام حيوياً وضرورياً لمستقبلنا ولمستقبل الاجيال القادمة المائي والذي نأمل ان يُنجز بالسرعة القصوى وبشروط واسعار تعاقدية تحفظ المصالح الوطنية وتعزز الامن المائي الاردني.
(بترا - ماجستير إدارة مشاريع وخبير استراتيجيات المياه)