علّمنا آباؤنا أن الجار من أهل البيت، وأن رسول الله صل الله عليه وسلم وصّانا به فقال: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورِّثه))، والعادات والتقاليد العربية الأصيلة تعظّم حق الجار بالإحسان إليه وتفقد أحواله والحفاظ على عرضه وماله وكرامته، هذا إذا لم يكن بينك وبينه قرابة، فكيف إذا كان قريباّ أو صهراً أو نسيباً، يصبح الحق مضاعفاً وقال المثل ((جارك القريب ولا أخوك البعيد)).
هذا في الأحوال العادية، أما في حال وفاة أحد من بيت الجار أو وفاة الجار (وفاة طبيعية، لم يمت من القصف الهمجي الغادر، ولم يمت من البرد ولا من الجوع ولا من الحصار، ميتتة طبيعية) في هذه الحالة يتوجه الجيران فوراً إلى بيت الجار كل شخص يعرف ماذا سيفعل وماذا سيقدم، يطيّبون الخاطر، منهم من يبدأ بالإجراءات المطلوبة للدفن ومنهم من يقدم المال ومنهم يفتح بيته للعزاء والعديد يبدأون بالتسابق من سيحظى بشرف احضار الطعام لأهل الميت، فيخفف ذلك عنهم مصابهم، ويشعرهم أنهم ليسوا وحدهم وأن الدنيا بخير.
في بيوت الحي كله لا يفتح تلفاز ولا مذياع مراعاة لحزن الجار ولحرمة بيت العزاء، إذا كان عند أحد الجيران مناسبة قد تم الإعلان عنها قبل الوفاة من حفل نجاح أو عرس لاحد الأبناء أو الأقارب يتم إلغاء الاحتفال، أو يؤخذ إذن من الجار بأن يتم أخذ العروس من غير أي مظاهر احتفالية، أو يتم التأجيل، فكيف نفرح وفي بيت الجار مأتم.
وإذا كان هناك دوري كرة قدم لكأس آسيا أو أفريقيا أو كأس العالم أو مهرجانات أو أي مظاهر لإحتفالات، وكان الجار والقريب والنسيب والصهر عنده مصاب وفي كل بيت عزاء ولا زال تحت القصف وشهداؤه بالآلاف وعدوه وعدو كل الجيران يذبحه من الوريد إلى الوريد ويتوعد باقي الجيران، ومن لم يقتله العدو بالقصف يقتله بالبرد والجوع والحصار، كان الجيران كلهم دون استثناء ومن دون أن يستأذنوا الجار يعتذرون عن المشاركة.
فكيف نركل الكرة ونلعب ونشجع، والعدو يركل كرامتنا وكرامة الجار، وكيف نخذل جاراً مستضعفاً تكالبت عليه كل قوى الشر العظمى وننسى أننا إن خذلناه في موطن انتهكت فيها حرمته وانتقص من عرضه توعدنا الله أن يخذلنا في موقف نرجو فيه نصرته.