من أزمة إدارة إلى إدارة أزمة
مالك العثامنة
01-02-2024 12:51 AM
في الأردن، الدولة ليست ضعيفة، بل متمكنة وما تزال متماسكة رغم الارتباكات العديدة داخليا وخارجيا، إدارة الدولة هي التي تعيش أزمة، والأزمات حضورها طبيعي في الأردن، فالأردن وحسب منطق الجغرافيا السياسية وحده يقع في منطقة "الهزات السياسية وارتداداتها"، المهارة تكمن في تلك الإدارات التي تستطيع أن تتجاوز الأزمات بتتابع دائم، لكي تتخيل الأردن دولة بلا أزمات، عليك بالضرورة أن تتخيل إقليما يحيط بالأردن خال من كل الأزمات! وهذا من ضروب الخيال وخارج معطيات الواقع.. إذاً فلنتحدث بالواقع حسب الوقائع بدون تشويه انتقامي يتعمد التقويض، ولا مبالغات تتطرف بالوهم مهما كانت مليئة بحسن النوايا الوطنية.
من زاوية الجغرافيا السياسية، يحد الأردن شمالا جبهة من فوضى هي مزيج من المليشيات الطائفية والمتمردين وعصابات مسلحة ونظام دولة رخو محدود القدرة.
شرقا، جبهة غير مسيطر عليها من الدولة العراقية وعملية ضبطها من بغداد هشة، وقرارها المركزي الحقيقي في طهران.
غربا، خلف ذلك النهر تلك الضفة المحتلة التي خسرناها في حرب 1967 وكانت تحت سيادة أردنية واليوم هي تحت احتلال إسرائيلي بات استمراره يشكل تهديدا على المجال الحيوي الأردني، وحق فلسطيني بدولة مستقلة ضاع في ركام عملية سلام قوضتها الاتفاقيات المتراكمة فانتهت بغياب كل الشركاء وفض الشركة.
جنوبا، لسان بحري ضيق على البحر الأحمر، يجعل الأردن بالضرورة من دول البحر الأحمر، وكل تهديدات البحر الأحمر تشمله وتضيق عليه.
وجنوبا أيضا على امتداد مساحة شرقية واسعة كذلك، الحدود الأكثر استقرارا وهدوءا وضبطا مع المملكة العربية السعودية، الدولة التي تشرف على أطول ساحل على البحر الأحمر، والمملكة التي انتهت من ثورتها على ماضيها المنكفئ، وقد أثبتت حضورها الإقليمي والدولي كقوة لا يمكن تغييبها في أي تسويات إقليمية، وبحضور اقتصادي عالمي يجعل مقعدها الدولي حالة ضرورة بامتياز.
من وجهة نظر سعودية، يمكن قياس حدودها الشمالية بذات المعيار، مما يجعل استقرار الأردن هدفا إستراتيجيا للرياض، وأي خطر يواجه الأردن هو خطر مباشر على كل مشاريع القوة السعودية الناهضة ومصالحها الاقتصادية والتنموية الضخمة.
قبل أيام، تشرفت باستضافة مركز الخليج للأبحاث في السعودية، وهو خزان أفكار إقليمي ودولي وازن، وتحدث رئيسه الدكتور عبدالعزيز بن عثمان بن صقر في جلسة علنية وجلستين مغلقتين حديثا لم يختلف مستواه في كل الجلسات، مفاده: استقرار الأردن مصلحة سعودية عليا.
لدى الأردن أزماته الداخلية ومحورها اقتصادي وإداري، بالإضافة إلى التحديات التي تحيطه إقليميا وتتصاعد حدتها مع كل التعقيدات الإقليمية الراهنة.
وأدوات إدارة الأزمات بمنطق الماضي والبحث عن "حلول تمويلية" آنية لم تعد مجدية، ولا مرضية.
الحل يكمن في إستراتيجيات تعاون وثيقة تتجاوز السياسة واستهلالية نشرات الأخبار "بالعلاقات الأخوية الثنائية" إلى بحث في تفاصيل المشترك والممكن في المصالح وتلك المصالح موجودة وتنتظر الاهتمام المطلوب.
بالمنطق السياسي والجغرافي والقائم على المصالح المشتركة، فإن الجهد كما المسؤولية على البلدين الجارين، للوصول إدارة الأزمات والبحث عن نقاط التقاطع لا عن مفترقات طرق، وتحويل أزمات الإدارة إلى إدارة للأزمات.
الغد